للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى الجملة الخلق الحسن يشمل تهذيب النفس، وتربية الوجدان، والتالف مع الناس، والقرب إليهم، وتوطيء الكنف لهم، والتواضع، والرفق بالضعفاء، والقرب منهم، والألم لالامهم، والسرور لسرورهم، والاندماج فيهم من غير تأثم، ولا تجانف لإثم.

وإن الخلق الحسن يؤثر فى الدعوة إلى الحق، بما لا يؤثر البرهان وضروب الأقيسة.

وإنه من أوصاف النبوة، ولقد قال الله تعالى فى ثمرات الخلق المحمدى فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ «١» .

[[ب] العفو:]

١٣٥- ولقد هيأ الله تعالى محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم ليكون الهادى إلى الحق، وإلى صراط مستقيم، فوهبه الخلق الكامل، الذى يؤلف القلوب، ويجمع النفوس، إلا من طغى واستكبر، واثر الهوى على الحق، وكان قبل البعثة يحب العشير، ويقرب الصديق، ولا يعنت أحدا بعداوة، بل كان الملاك الطاهر بينهم، يعف عن قول الخنا وفعله، ويبتعد عن الهوى وجموحه، لا يعادى، ولا يصخب، ولا يفحش فى قول أو عمل، وهو الصادق، وهو الأمين، وهو الذى يعين الكل، ويغيث الضعيف، ويعين على نوائب الدهر، يعفو عمن ظلمه إلا أن يكون فى ذلك انتهاك لحرمة من حرمات الله، أو اعتداء على فضيلة.

واذا كان المسيح عيسى بن مريم قد كان خلقه السماحة يعفو عن المسيء كذلك خلق النبيين عامة، وخلق محمد بن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم خاصة، وكان ذلك إيجابيا، وليس سلبيا، يفعل الخير ويجتنب الشر، وكان التاجر السمح الصبور، حتى إنه يروى بعض القرشيين أنه بايع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بياعة قبل البعثة، وبقى شيء لم يأخذه من محمد، فانتظره النبى عليه الصلاة والسلام ثلاث ليال، وكان يذهب فيقيم فى مكانه الذى غادره فيه، حتى لا يضل فلا يهتدى إليه، فيضيع حقه الثابت له.

ولقد امتدت هذه الأخلاق إلى ما بعد النبوة، فكانت دعامة الدعوة، فسار بسنة العفو عن الإساءة، والإعراض عن الجاهلية استجابة لقوله سبحانه وتعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ «٢» ، وقد كان ذلك الخلق يجذب الناس إلى الايمان من غير دليل ولا برهان، وإن كان الحق واضحا فى ذاته، وزاده وضوحا خلق النبى الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم، ولنذكر واقعة كان العفو فيها داعية الإسلام.


(١) سورة ال عمران: ١٥٩.
(٢) سورة الأعراف: ١٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>