للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فملأها، فذهبوا ليخرجوه فتزايل لحمه. فأقره، وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة.

وهكذا، فعل ليوارى سوآتهم، وليحمى أجسامهم من سباع البهائم، وسباع الطير.

قال ابن إسحاق: حدثنى بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال مخاطبا جثث القتلى: «يا أهل القليب، بئس عشيرة كنتم لنبيكم، كذبتمونى، وصدقنى الناس، وأخرجتمونى، وآوانى الناس، وقاتلتمونى، ونصرنى الناس، هل وجدتم ما وعد ربكم حقا، فإنى قد وجدت ما وعدنى ربى حقا» .

ويروى أنه نادى طائفة من زعماء الشر فيهم، أو كبراءهم، فقد روى أنه كان يقول: «يا عتبة ابن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل بن هشام- فعدد من كان منهم بالقليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا، فإنى قد وجدت ما وعدنى ربى حقا» ويظهر أن الواقعة قد تعددت.

فقال الحاضرون: يا رسول الله، أتنادى قوما قد جيفوا، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا» .

ومعنى أسمع: أعلم بحقيقة ما أقول، لأن السمع الحقيقى يحتاج إلى جارحة السمع، وقد فقدوها بالقتل، ولأن الله سبحانه وتعالى يقول: وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (فاطر- ٢٢) وفي رواية عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: «لقد علموا ما أقول» .

والعبرة في هذه المسألة أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد عمل على كرامة الإنسان بمواراة سوآت هؤلاء، وليبين للأحياء المسلمين الاعتبار في هذه المعركة، وهو أن الله صدق وعده، ونصر عبده، وهزم عدو الله سبحانه وتعالى وعدوهم.

[الأسرى]

٣٨٨- أسر من المشركين سبعون، وقد علمت أن سعد بن معاذ رضى الله تبارك وتعالى عنه كان يكره الأسر، ويريد القتل، حتى يثخن المشركين، وذكر للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم رأيه، وأنه كره الأسر، ولكن سياسة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كانت تتجه إلى الاستبقاء بدل القتل، عسى أن يسلموا، ويكونوا قوة للإسلام ولأن يكونوا مؤمنين ولو مالا، خير من أن يقتلوا كفارا في عجلة الحرب.

والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم لا يعمل عملا إلا بمشورة أصحابه، مادام الوحى لم ينزل بأمر، فهو يجتهد فيما يفعل، لا فيما يشرع، وإذا اجتهد في عمل، فالشورى روح العمل، وقوة الجماعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>