للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أول القتال]

٣٤٥- أخرج المشركون من قريش المؤمنين من مكة المكرمة، وجردوهم من أموالهم، وفتنوهم فى دينهم، فكان لابد من أن يضايقوهم كما ضايقوا المؤمنين ويردوهم عن غيهم، ويعلموهم أن الباطل لا بقاء له، بل إن للحق قوة، وأنه أبلج، ابتدأ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بإرسال السرايا، وهى طوائف صغيرة من الجيش على رأسها قائد من القواد، فهى تشبه كتيبة يرسلها القائد الأكبر، لتحارب، أو لتمنع الطريق عن قوم من الأعداء، أو كسرية الجيوش في هذه الأيام، وقد فهم بعض الكتاب من ذلك أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ابتدأ بالسرايا تصادر عير قريش، أو طائفة من تجار المشركين، وأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ابتدأ بالحصار الاقتصادى، ونحن نفهم من الحصار الاقتصادى الحصار الذى يفرض على موارد الجماعة كلها من رزق، أى أن الحصار يفرض على قريش كلها.

ونحسب أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ما كان يريد أن تصاب قريش كلها بمجاعة، فما كانت قريش كلها على طريقة أبى جهل وأبى سفيان ومن على شاكلتهما من الذين ناوؤا الدعوة ابتداء، واستمروا على غيهم إلى أن كان الفتح المبين، وكان منهم الساكتون الذين لم يعادوا، ولم يناوئوا، وإن لم يؤمنوا، وليس من شأن المباديء الإسلامية أن يؤخذ المطيع بظلم العاصى أو المعتزل بظلم الذى يرتكب الشر، وفي قريش من كان مكرها غير مختار ومظلوما مأسورا. ومنهم من كان يربطه بالمؤمنين مودة وصلة، بل بالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم.

والحصار الاقتصادى يعم ولا يخص؛ إذ يعم من بلغوا أقصى غايات الشر، ومن سكتوا، ومن توادوا وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (فاطر- ١٨) .

ولكن هذه السرايا كانت لمناهضة زعماء قريش، إذ كانوا أصحاب المتاجر التى تحملها العير وقتا لآخر، ولأن أولئك الزعماء أخرجوا المؤمنين من ديارهم وأموالهم، فكان حقا على هؤلاء أن يضايقوا الذين أخرجوهم من أموالهم معاملة بالمثل، وليأخذوا مقابلا لبعض ما أخذ منهم، وليذيقوا أولئك الزعماء وبال ما صنعوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>