٥٨٣- ذكر الواقدى فى تاريخه بإسناده عن عكرمة مولى عبد الله بن عباس أنه وجد كتابا فى كتب عبد الله بن عباس بعد موته فنسخه، فتبين فيه أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بعث العلاء ابن الحضرمى إلى المنذر بن ساوى وكتب إليه كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام، ولم يذكر أنه عثر على نص كتاب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ولكن وجد رد ابن ساوى، ثم رد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وإليك كتاب المنذر:
إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أما بعد يا رسول الله فإنى قرأت كتابك على أهل البحرين، فمنهم من أحب الإسلام وأعجبه، ودخل فيه، ومنهم من كرهه، وبأرضى يهود ومجوس فأحدث إلىّ فى ذلك أمرك.
فكتب إليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:
بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى.
سلام عليك فإنى أحمد إليك الله الذى لا إله إلا هو، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله. أما بعد فإنى أذكرك الله عز وجل، فإنه من ينصح إنما ينصح لنفسه، وأنه من يطع رسلى، ويتبع أمرهم، فقد أطاعنى، ومن نصح لهم فقد ينصح لى، وإن رسلى قد أثنوا عليك خيرا، وإنى قد شفعتك فى قومك، فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت عن أهل الذنوب فاقبل، وإنك مهما تصلح لا نعز لك عن عملك، ومن أقام على يهودية أو مجوسية، فعليه الجزية.
وقد دل خبر هذا الكتاب على أن عبد الله بن عباس كان حريصا على أن يكتب كتب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ويحفظها فى خزانة كتبه، وأنه يعلن للناس ما يعلن وهو الأكثر، وقد يبقى ما لا يعلن، ودل الكتاب على أنه مرسل لأهل البحرين، وأن المنذر بن ساوى كان واليها، ويدل على استجابة الوالى لدعوة الإسلام، وأن الجزية تفرض على اليهود والمجوس، وتدل على أمر آخر هو الحكمة وهو أن أبقى الوالى الذى سارع إلى الإسلام فى إمرته، ليكون أميرهم، ولم يرسل واليا من كبار الصحابة أو غيره، وذلك ليشعروا أنه ليس أجنبيا مسيطرا، ولكنه من أنفسهم، وما دام مستقيما فإنه أجدر لعلمه بنفوسهم، وخبرته بأحوالهم، وأن يأتيهم من حيث يألفون ويعرفون.
وفى الخبر ما يدل على فرض الجزية على الذين لا يؤمنون، إذا كانوا فى ولاية مسلم وهم هنا اليهود والنصارى والمجوس، وقد أجمع الفقهاء على فرض الجزية عليهم، وأجاز أبو حنيفة فرض الجزية على الوثنيين غير العرب قياسا على المجوس.