للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستطع فبقلبه» مخطئون، وما كان عقاب هؤلاء الثلاثة إلا استنكارا قلبيا بدا فى الوجوه والجوارح ولم يبد فى القول.

وإن هذا الذى سنه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، يجب علينا اتباعه، فلا يصح لنا- أن نبش فى وجوه الأشرار، ولا الذين يرتكبون الآثام لأنه عسى أن يثير ذلك ضمائرهم فتلوم، وإذا كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد فعل ذلك مع ثلاثة لدرن يسير أصاب قلوبهم، أفلا نفعله مع أشرار هذا الزمان، وإذا كنا نعجز عن مقاطعتهم، فإننا لا نمالئهم، ولا نلتف حولهم مع ظلمهم، لأن مجرد الالتفاف حولهم يجعل الرجل من شيعتهم، وإن لم يعمل عملهم، ويجعلنا ذلك سائرين معهم، وإن لم نعاونهم بالفعل، فإنا نعاونهم بالإلف، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: «من مشى مع ظالم، فقد سعى إلى جهنم» .

[سبعة ربطوا أنفسهم بأعمدة المسجد]

٦٥٤- كانوا عشرة تخلفوا، لعل منهم أولئك الثلاثة الذين ذهبوا إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يستمع إلى الأعذار للمتخلفين يقبل علانيتها، ويترك السرائر إلى الله تعالى، وما كان للرفيق الطاهر الذى قبل لفظ اللسان وليس لفظ القلب إلا أن يقبل العلانية، ويترك لله ما بطن، لأنه لا يفتش عن القلوب.

إن أولئك الثلاثة ذهبوا إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يقولون لا عذر لنا، ولا سبيل لأن نكذب عليك، فصدقهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وطهر قلوبهم، وهذب نفوسهم وأزال الضر بتلك العقوبة الهينة فى ظاهرها القوية فى تأثيرها.

ولكن سبعة آخرون لم يذهبوا معتذرين، لأنه لا عذر لهم، ولم يذهبوا ينفون الاعتذار بل جاؤا وعاقبوا أنفسهم بأنفسهم، فأوثقوا أنفسهم بسوارى المسجد النبوى، فلما رآهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: من هؤلاء الموثقون أنفسهم بالسوارى؟ قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول الله أوثقوا أنفسهم حتى يطلقهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ويعذرهم، فقال الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم، حتى يكون الله سبحانه وتعالى هو الذى أطلقهم، رغبوا عنى، وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين، فلما بلغهم ذلك قالوا: ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الذى يطلقنا، فأطلق سراحهم، ومنع الوثاق بأمر الله تعالى، وقيل نزل فيهم وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ، خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً، وَآخَرَ سَيِّئاً، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (التوبة: ١٠٢) أرسل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ففك وثاقهم، وأطلقهم وعذرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>