للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما كان بعد موت أبى طالب]

٢٨٥- قال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم «ما نالت منى قريش شيئا أكرهه، حتى مات أبو طالب» ولقد لزم محمد صلى الله تعالى عليه وسلم الحبيبين، الحامى المكافح، والمؤنس المواسى.

ثم لما خرج وباشر الدعوة وبلغ رسالة ربه، كلبت عليه قريش، حتى كانوا يؤذونه فى بيته، فكان جيرانه جيران سوء، ومنهم أبو جهل، والحكم بن أبى العاص بن أمية، وعقبة بن معيط وعدى بن الحمراء، وابن الأصداء الهذلى، وكان أحدهم يطرح عليه رحم الشاة وهو يصلى.

وقد روى مسلم عن ابن مسعود قال. «بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى عند البيت، وأبو جهل وأصحابه جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا «١» جزور بنى فلان، فيأخذه فيضعه بين كتفى محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم. فأخذه، فلما سجد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وضعه بين كتفيه فاستضحكوا، وجعل بعضهم يميل على بعض، وأنا نائم أنظر والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم ساجد ما يرفع رأسه.. حتى ذهب إنسان فأخبر فاطمة، فجاءت، وهى جويرية فطرحت عنه، ثم أقبلت عليهم تشتمهم، فلما قضى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم صلاته، رفع رأسه، ثم دعا عليهم، وكان إذا دعا، دعا ثلاثا وإذا سأل، سأل ثلاثا، ثم قال. اللهم عليك بقريش ثلاث مرات، فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته، ثم قال: اللهم بأبى جهل ابن هشام، عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عقبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبى معيط، فو الذى بعث محمدا عليه الصلاة والسلام بالحق، لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر» .

اشتد أذى قريش للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ويظهر أن أكثر الأذى الذى نال شخص النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان بعد وفاة أبى طالب.

ولقد قال ابن كثير فى ذلك:

«وعندى أن غالب ما روى مما تقدم من طرحهم سلا الجزور بين كتفيه، وهو يصلى كما رواه ابن مسعود.. وكذلك ما أخبر به عبد الله بن عمرو بن العاص من خنقهم له صلى الله تعالى عليه وسلم خنقا شديدا وكذلك عزم أبى جهل.. لعنه الله على أن يطأ عنقه وهو يصلى فحيل بينه وبين ذلك، وما أشبه ذلك- ذلك كله كان بعد وفاة أبى طالب والله أعلم، فذكره هاهنا أشبه وأنسب» .


(١) السلا، أحشاء وخلاص الناقة، وهى الجزور.

<<  <  ج: ص:  >  >>