وإن هذا الكلام له وجاهته، وعلى ذلك نذكر أن أذى المشركين أخذ دورين.
الدور الأول: ما كان قبل وفاة أبى طالب، وقد كان أذى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان بالاستهزاء والسخرية والسب، ولا ينالون منه بغير ألسنتهم، ويقوم بذلك سفهاؤهم كأبى الحكم بن هشام (أبى جهل) وعقبة بن أبى معيط، وغيرهما من سفهاء القوم.
وكان مع ذلك التعذيب والإيذاء البدنى للضعفاء، وغير النبى صلى الله تعالى عليه وسلم مما أدى إلى الهجرة إلى الحبشة مرتين، وكان فيهم كبراء كجعفر بن أبى طالب، وعثمان بن عفان، ولعل هجرتهم كانت لأذى القول والسخرية والاستهزاء.
الدور الثانى: كان بعد وفاة أبى طالب، وهنا اشتد الأذى، وكان الاعتداء بالقول والفعل حتى اضطر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى أن يطلب الجوار ليدخل مكة المكرمة، فأجاره مطعم بن عدى.
وإذا كان قد فقد حماية أبى طالب، فقد عوضه الله تعالى بحمايته.
[حماية الله تعالي]
٢٨٦- روى البخارى بسنده عن ابن عباس، قال:«مر أبو جهل بالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يصلى، فقال: ألم أنهك أن تصلى يا محمد لقد علمت ما بها أحد أكثر ناديا منى، فانتهره النبى صلى الله عليه وسلم، فنزل قوله الله تعالى: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ. سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ «١» ، والله لو دعا ناديه لأخذته زبانيه العذاب.
وروى ابن جرير الطبرى بسنده عن أبى هريرة: هل يعفر محمد عليه الصلاة والسلام وجهه بين أظهركم؟ قالوا: نعم: قال: فو اللات والعزى عندما رأيته يصلى كذلك لأطأن على رقبته، ولأعفرن وجهه بالتراب، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يصلى ليطأ على رقبته، فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقى بيديه فقيل له: مالك!! قال إن بينى وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. «لو دنا منى لا ختطفته الملائكة» .
ولقد حدث عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه جرت بين النبى صلى الله عليه وسلم ومشركى مكة المكرمة، والرسول عليه الصلاة والسلام يدعوهم إلى الله تعالى، ويبين لهم أن الأحجار لا تنفع ولا تضر، وأنها لا تغنى من الله تعالى شيئا، ثم غادر مكانهم، فقام أبو جهل بن هشام فقال: