فرأى إزاء تلك المحبة والمودة أن يرسل الجمل إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد وهبه له، فرده النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إليه، وأرسل معه ثمنه، وهو الأوقية من الذهب التى ارتضاها ثمنا له.
ولننقل كلام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لنرطب به أسماعنا، ونملأ به قلوبنا.
لما رأى الجمل قال: ما هذا؟ قالوا: هذا جمل جابر، فقال: أين جابر، فذهب إليه فقال الرسول الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم:«يا ابن أخى خذ برأس جملك فهو لك» ودعا بلالا فقال له: اذهب بجابر. وأعطه أوقية ذهب.
ذكرنا هذه القصة لنعرف مودة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ورأفته بهم، وملاحظته وإدخال السرور على نفوسهم، وإذهاب العنت عنهم، لتكون منهم قوة في الأرض، فليست القوة، بالفظاظة والتحكم، إنما القوة بالمحبة والتراحم والتودد.
[غزوة بدر الآخرة]
٤٥٤- فى نهاية غزوة أحد من قبل المشركين نادى أبو سفيان مهددا، أو واعدا بأن موعدكم بدر من العام المقبل. وما كان أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ليخافوا اللقاء، وقد أدوه في أعقاب قفول قريش.
ولذلك خرج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى بدر في شهر شعبان من السنة الرابعة فيلقاهم بمنى ولينتصف لجرحى أحد وشهداء المسلمين، وخصوصا سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب عمه وأخاه في الرضاعة. خرج في ذلك الميقات. وأقام على المدينة المنورة عبد الله بن عبد الله بن أبى بن سلول، أى ابن رئيس المنافقين ولم يكن كأبيه، بل كان برا تقيا، ومؤمنا صادقا. حتى إنه لما اشتد أمر النفاق، قال لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: دعنى أقتل عبد الله بن أبى حتى لا يقتله مؤمن فيحنقنى. اختاره رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على المدينة، لمكانته في الإيمان وأهله، ولتبرأ نفسه من سقامها. وفي الوقت الذى كان يقيم فيه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عبد الله بن عبد الله بن أبى مقامه على المدينة، كان أبوه عبد الله بن أبى يثبط المسلمين عن الخروج للقاء قريش، فيروى عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم استنفر الناس لموعد أبى سفيان، وانبعث المنافقون يثبطونهم،