للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نظرة في الحكم:]

٤٧٥- لا شك أن الحكم شديد، ولكنه عادل، والنظر لا من ناحية أنه عادل، ولكن أما كان موضع للتخفيف، ونقول في ذلك:

إنهم مقاتلون، واستمرت لهم صفة المقاتلين إلى آخر لحظة، وعلى بن أبى طالب، عند ما تقدم لهم خاطبهم على أنهم مقاتلون، وقال رضى الله عنه، وهو يهاجمهم، لأذوقن ما ذاق حمزة، ولأفتحن حصنهم، فلما رأوا العزيمة في على ومعه الزبير، وأنهم مغلوبون لا محالة، وطلبوا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ، فهم ارتضوا ما ينفذ فيهم قبل أن ينزل الحكم فيهم، فهم الذين نفذوا الحكم فيهم إذ ارتضوا المحكم فيهم، ومن المقررات القانونية أن من ارتضى محكمين ليحكموا فيه، فقد فوض لهم، ولهم بهذا التفويض أن يحكموا بما يرونه عدلا، ولقد حكم، وهو الذى ذهب إليهم ليحول بينهم وبين تنفيذ نقض الميثاق فردوه ردا نكرا، وعرف أنهم يريدون اقتلاع الإسلام، وقتل أهله.

ولقد خضع المدبرون منهم لحكمه، وأدركوا أنه بما قدمت أيديهم، حتى لقد روى أن حيى ابن أخطب عند ما قدم للقصاص قال لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: والله ما لمت نفسى في عداوتك، ولكن من يخذل الله يخذله، ثم أقبل على الناس، فقال: أيها الناس، إنه لا يأس بأمر الله كتاب وقدر، وملحمة كتبها، ثم تقدم لضرب عنقه.

وهكذا كانوا يحسون بأن ما نزل بهم قصاص، وما للناس يقولون كان على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، أن يشفق عليهم. ومع ذلك إذا لم يقتل رجالهم، فماذا يصنع معهم، أيعفو عنهم، ولو تمكنوا لقتلوه وقتلوا الإسلام، وشردوا أهل المدينة. إن العفو عن الجانى ظلم في ذاته، أم يخرجهم من أرضهم ويجردهم من أموالهم، وذلك لا يخلو من عفو، وقد قلنا إنه في هذا المقام ظلم، ثم ماذا يكون إذا خرجوا، وفيهم أكثر من سبعمائة مقاتل، ألا يكونون حربا عليه، ويتجمعوا يؤلبون يهود الجزيرة العربية، ويكون قد أشفق عليهم لينقضوا عليه إن وأتتهم الفرصة، كمن يشفق على اللصوص ليجمعوا أمرهم، ويستلبوه ما يعتز به، ويأخذوا ما عنده.

إنه لم يكن إلا القتل، كفاء ما صنعوا، وهم الذين قتلوا أنفسهم بما دبروا وبما فعلوا، قد يقال أنهم قد صاروا أسري، والأسرى لا يقتلون، ونقول في الجواب عن ذلك: إن المسلمين والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم يشدوا الوثاق، لأنهم منهيون عن ذلك بحكم آية الأسرى إذ يقول سبحانه وتعالى:

ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ، تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا، وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (الأنفال- ٦٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>