فرأيت شعلة من نار فى ناحية المعسكر، فاتبعتها أنظر إليها، فإذا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأبو بكر وعمر وإذا عبد الله ذو البجادين المزنى قد مات، وإذا هم قد حفروا له، ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى حفرته، وأبو بكر وعمر يدليانه، وهو يقول أدنيا إليّ أخاكما، فدلياه إليه، فلما هيأه بشقه قال:
«اللهم إنى أمسيت راضيا عنه. فارض عنه» . فيقول عبد الله بن مسعود: يا ليتنى كنت صاحب هذه الحفرة.
ويقول ابن هشام فى سبب تسميته بذى البجادين أنه كان ينزع إلى الإسلام فيمنعه قومه من ذلك، ويضيقون عليه، حتى تركوه فى بجاد ليس عليه غيره، والبجاد الكساء الغليظ الجافى، فهرب منهم إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فلما كان قريبا من الرسول صلى الله عليه وسلم شق البجاد اثنين، فائتزر بواحد، واشتمل بالآخر، فقيل له ذو البجادين لذلك.
انظر إلى تكريم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم الأمين المجاهد للمجاهدين، لا يتركهم للذئاب تنوشهم، بل يكرمهم فى مماتهم، كما يكرمهم فى محياهم، ليقدموا على الفداء كراما.
[عصمة الله تعالى لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم]
٦٥٠- قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (المائدة: ٦٧) فالرسول صلى الله تعالى عليه وسلم دائب على الدعوة لاينى، ينتقل فى لأواء الصحراء من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة وما بينهما، ثم يتجاوز الفيافى والصحارى ليكون فى أرض الشام شامخا بالرسالة الإلهية على الرومان، ومن يتبعهم، ومن يخضع، فإذا لم يكن الله تعالى عاصمه من الذين يريدون به السوء فى كل مكان من هذه الجرداء، فمن يكون العاصم غير الله تعالى القوى الجبار.
لقد تسلل إلى جيش الإسلام بعض المنافقين، ورجع المدينة المنورة طائفة منهم ليخذلوا المؤمنين، وبقيت أخرى لتخذل إذا سنحت لها الفرصة فى السير، أو فى المعترك، ففوت الله تعالى عليهم الفرصة التى ينتهزون أمثالها دائما.
ولما تمت أمور تبوك، وتحولت إلى دعاية إسلامية صادقة، ولم تكن معركة قتال ينفثون فيها سموم التردد والهزيمة، ووجدوا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم راجعا بجيش العسرة، وهو فى يسر وأمن وسلام واطمئنان ائتمروا بالرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ومكروا محاولين أن يطرحوه من عقبة عالية فى