للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشنوا، فيلاقى الزوج البرة، ولسان حالها يقول له، كما قالت أولا: «والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل، وتعين على نوائب الدهر، فيطمئن فؤاده، وتسكن جوارحه، وتقر نفسه الجائشة» .

وإن عاطفة الزوج المخلصة تلهمها بأطيب القول وأحكمه فى أشد الأوقات التى تتضافر فيها أسباب الضيق النفسى والقلق، وهى بحق التى تسمى السكن، وكما قال الله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً «١» .

هذا العام كان قبل الهجرة بثلاث سنين، كما يحقق الرواة، وهو قبل فرض الصلوات الخمس، كما يقول المحققون، وهو بناء على ذلك قبل الإسراء والمعراج، ولذلك ذكرنا عام الحزن قبلهما، للترتيب الزمنى أولا- ولأن الإسراء والمعراج، كانا لمواساة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وأنسه بربه، ولأنهما فيما يظهر لنا فيهما إذهاب للوحشة التى نالت قلب الرسول عليه الصلاة والسلام الكريم بفقد حبيبين. فبين الله تعالى بهذا الإسراء أن الله هو الحبيب الأعظم، وهو الحامي واحده ولا حماية لأحد تقارب أو تدانى حمايته.

وإن الأكثرين ممن كتبوا فى السيرة النبوية يقدسون الكلام فى الإسراء والمعراج، لأن فيهما تكميلا لبيان الفرائض الإسلامية التى تتعلق بالتوحيد وهى الصلاة.

ويقول فى ذلك ابن كثير فى تاريخه الكبير: «قال البيهقى، وزعم الواقدى أن خديجة وأبا طالب ماتا قبل الهجرة بثلاث سنين، عام خرجوا من الشعب، وأن خديجة توفيت قبل أبى طالب بخمس وثلاثين ليلة. وروى عن الزهرى أنه قال: توفيت خديجة بمكة المكرمة قبل خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وقيل قبل أن تفرض الصلاة ... قلت: مرادهم قبل أن تفرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء، وكان الأنسب أن نذكر وفاة أبى طالب وخديجة قبل الإسراء كما ذكر البيهقى وغير واحد.

[أبو طالب، وإيمانه]

٢٨٠- مما لا شك فيه، ولا يمارى فيه مؤمن أن أبا طالب كان له موقف فى الدعوة الإسلامية، وهو موقف من يحمى الحق ويدافع عنه، ويتحمل الضيق فى سبيله، وقد رضى أن يعيش ممنوعا، هو وبنو هاشم وبنو المطلب، مضيقا عليهم فى الرزق، وكل أسباب الحياة، وذلك عندما قاطعه قومه هو وبنى هاشم، ومن انضم إليهم من بنى عبد مناف، واستوى فى ذلك مؤمنهم وكافرهم، وعلى رأسهم كبيرهم أبو طالب، وقد كان المحرك لهم.


(١) سورة الروم: ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>