وكما كان منه هذا الموقف المشرف الرافع للحق لم يدخل فى دين الله، أو على الأقل لم يدخل فى دين الله ظاهرا، واستمر على ذلك، لا يدخل فيما يدعو إليه محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يمتنع عن الدفاع.
والقارئ لسيرته يعتقد أن ذلك لمجرد العصبية الجاهلية، ولفرط محبته لمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وأن المحبة كانت هى الدافع لا للعصبية واحدها.
فما كان ليرضى أن يغضب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ولا أن يكون منه مالا تقر به عين حبيبه وابن أخيه محمد صلى الله تعالى عليه وسلم.
وهنا يرد سؤال، وهو: أمات أبو طالب بعد هذا البلاء فى حماية الدعوة الإسلامية على الشرك، ولم يخالط الإيمان بشاشة قلبه؟
يقول إخواننا الشيعة إنه مات مؤمنا، وأن الله تعالى أجرى على لسانه كلمة الحق: لا إله إلا الله محمد رسول الله.. ولهم فى ذلك روايات أسندت إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
ويقول جماعة أهل السنة، ومعهم الكثرة الكاثرة من علماء الفقه والحديث أنه مات على الشرك، وأنه من أهل النار، وأن الله تعالى يخفف عنه عذاب جهنم، فيكون فى ضحضاح من النار.
ويردون كلام الأولين بأنه من فرط التشيع لعلى، فقد جرهم هذا التشيع لعلى إلى أن يحكموا بإيمان أبيه أبى طالب، ثم يذكرون ضعفا فى إسناد الأخبار التى روت إسلامه، ونطقه بالشهادتين، ويذكرون أن الأخبار الصحاح ذكرت أنه ما نطق بشهادة ألاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويذكرون أنه فى الخبر الذى صح عندهم عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ذكر أنه يكون فى ضحضاح من النار، وأن ذلك استجابة لدعوة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بالتخفيف عنه. لما كان له من مناصرة له عليه الصلاة والسلام.
وإنه من الحق علينا أن نذكر أمره عندما حضرته الوفاة.
٢٨١- ونقول أن كتب الصحاح من السنة كما تذكر أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان فى خوف من نتيجة مرضه، كان مشركو قريش فى فزع من موته، لأنه كما كان حاميا للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان كهفا لقريش يشكون أمر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إليه، ليرجو أن يخفف عنهم، ولنترك الكلمة للمؤرخ المحدث الحافظ بن كثير فى كتابه البداية والنهاية «١» .
(١) البداية والنهاية ج ٣ ص ١٢٧- بتصرف قليل فيه تقديم وتأخير مناسب، ليتسق المنقول.