هوادة، من غير هوان، فقال ذلك القيل:«مالى أرى هذا الغلام ينظر إليكم تارة بعينى لبؤة وتارة بعينى عذراء خفرة، والله لو أن نظرته الأولى كانت سهاما لانتظمت أفئدتكم فؤادا فؤادا، ولو أن نظرته الثانية كانت نسيما لأنشرت أموآتاكم» .
ومكة فوق ذلك لها المكانة فى التاريخ الدينى القديم، فقد ذكرت فى الديانات القديمة، واليهودية والنصرانية. وقبل أن نخوض فى ذلك نتكلم فى ناحية حول حال مكة المكرمة.
[أول بناء فى مكة المكرمة وبلوغها هذه المنزلة:]
٤٢- وإن مكة قد صارت مطمع امال العرب، لما ذكرنا من معان دينية وقومية وثقافية وتجارية، ولكن لابد من معرفة وقت قدسيتها، ونيلها هذه المكانة بين العرب، وإن ذلك أمر لابد منه فى دراستنا عن النبى الذى ظهر فى هذه المدينة. واتصالها بماضيها القريب والبعيد.
كان مكان مكة وسط البلاد العربية، وقد ذكر ياقوت الحموى وضعها فى كتابه «معجم البلدان» فذكر أنها بقعة من الأرض تحيط بها الجبال الجرداء من كل جوانبها، وينفذ من بين هذه الجبال المحيطة ثلاثة مسالك، أحدها سلك بها إلى طريق اليمن، ويصلها الثانى بطريق جدة حيث سيف البحر، ويكون مرفأ جدة، ويصلها الثالث بطريق الشام، حيث يمر بيثرب، وبذلك يتضح اتصالها منذ القدم، وإن كانت الشقة بعيدة.
وقد كانت البقعة التى أنشئت فيها تلك المدينة التى تتوسط البلاد العربية، ملتقى القوافل، ومنتجعها فى السفر، حيث تأوى وتستريح بين جبالها حيث كان فى الوادى حول هذه البقعة ماء العيون، وكان بجوارها أو على قرب منها أماكن منثورة، كان يلوذ بها التجار بقوافلهم.
وإن إبراهيم عندما أوت إلى هذه البقعة هاجر جاريته وولدها إسماعيل وألهمه الله تعالى بناء الكعبة، التى كانت أول بيت للعبادة، كما تلونا من قبل، وإن إنشاء ذلك البيت المقدس هو الذى أدى إلى تكوين المدينة، وإن هذا تصوير للوقائع التى حدثت، والتى ذكرها القران الكريم فى محكم التنزيل.
وإن فى التاريخ ما يدلنا دلالة راجحة على ابتداء بناء المدينة، وإن معرفة ابتداء المدن فى ذلك الماضى السحيق لا يمكن أن يكون على وجه جازم أو راجح، فإن المدن لا توجد مساكنها فى أمثال هذه العصور البعيدة التى تنشأ فى الصحراء، ولم تكن فى أرض لها حكومة ثابتة قائمة، تنشىء وتخطط، وتبنى وتهندس، إنما الذى يتصور أنها ابتدأت ببناء المسجد، ثم تدرجات، ثم أخذ الزمان يزيدها بناء، والعمران يدخل إليها