انفرد برواية هذا الحديث الإمام أحمد بن حنبل فى مسنده، ولم يكتب فى الضعاف التى قيل أنها أحصيت فى المسند، وقال فيه الحافظ بن كثير «هذا حديث غريب، وإسناده لا بأس تفرد به الإمام أحمد» .
ومادام الخبر لا مطعن فيه، وأخبار الثقات تقبل لأن الأصل فى خبر الثقة أن يكون صدقا، وإننا بهذا نقرر أن تبوك كانت موضع ذلك الاتصال الفكرى الذى التقت حقائق الإسلام بما عند النصارى، وأصلحت الأفهام وتشفت الأوهام.
[مصالحته عليه الصلاة والسلام ملك أيلة:]
٦٤٦- قلنا إن الوصول إلى تبوك أتى بخير كثير، فقد كان الاتصال الفكرى والسياسى، وقد ذكر خير مكاتبة هرقل والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى تبوك، وقلنا ما فيه، وركنا إلى صدقه قبولا لأخبار الثقات.
والآن نذكر خبرا مشهورا، وهو أن ملك أيلة أتى إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، واسمه يحنة ابن رؤبة، فصالح رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جرباء وأذرح، فأعطوه الجزية، فكتب لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كتابا بذلك، وقال ابن إسحاق إنه عندهم.
وهذا نص كتاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليحنة.
بسم الله الرحمن الرحيم، هذه أمنة من الله ومحمد النبى رسول الله ليحنة بن رؤبة وأهل أيلة سفنهم، وسيارتهم فى البر والبحر، لهم ذمة الله تعالى، وذمة محمد النبى، ومن كان معهم من أهل الشام، وأهل اليمن، وأهل البحر، فمن أحدث منهم حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وأنه طيب لمن أخذه من الناس، وأنه لا يحل أن يمنعوا ماء يريدونه ولا طريقا يريدونه من بر أو بحر.
ونرى أن هذا العهد الذى أعطى صاحب أيلة عهدا يعم، ولا يخص، فهو لا يقصر على أهل أيلة، بل من معه من أهل الشام وأهل اليمن، وأهل البحر، والمعية المذكورة هى التى يجمعها النصرانية وإذا كان أهل اليمن وهم فى الجنوب ليسوا معه فى الحكم والسياسة، فهم معه فى الملة والاتباع الدينى، فعقد الذمة يسرى على هؤلاء جميعا، إذا التزموا شروطه، ويكون الذى عقد هو فيه صاحب أيلة، فمن يعلمه منهم، ويأخذ بحكمه فهو منهم.
وبذلك العهد يكون قد أخذ أكثر نصارى العرب يغدون إليه.