ولقد كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم رفيقا فى معاملته لها، وقد اعتذر لها من قتل أبيها وزوجها، إذ كان أبوها يحرض عليه القبائل، ويؤلب عليه الناس وما كان يستطيع أن يتركه يؤلب العرب عليه، وقتل زوجها، لأنه خان العهد وأخفى مال أبيه، ونقض الذمة، وكان يتألف قلبها بسماحته ورفقه؛ حتى صار أحب الناس إلى قلبها.
وإن زواج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من السيدة صفية فيه فوائد اجتماعية، فهو أولا يطفيء ما فى قلوب المؤمنين بالنسبة لليهود، وضرب المثل السامى فى معاملة السبايا، فهى كانت منهن، فاختارها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم زوجا بدل أن يتخذ منها أمة يدخل عليها بملك اليمين، وهو يضرب الأمثال فى حسن العشرة الزوجية، فيكون خير الناس لأهله، كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم:
«خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى» . وإن هذا الزواج فيه مداواة للجروح المكلومة، لقد أمرها بلال على القتلى من قومها، فأكرمها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ورفعها إلى أعلى درجات النساء وهو أن تكون من أمهات المؤمنين.
وأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يصلح بينه وبين اليهود فجعلهم شركاء للمؤمنين، فكان من الحق أن يتألفهم، وأن يرأف بهم، وإن ذلك الزواج تأليف وتقريب، وإبعاد للنفور ولكنهم جاحدون دائما.
[غدر وسماحة]
٥٣٤- كان سلام بن مشكم الحامل الأول للواء اليهود، ولما قتل حمل غيره اللواء وقد بقيت امرأته من بعده بحقدها وضغنها على من قتلوا زوجها عامة، وخاصة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. وأرادت قتل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بأداة القتل عند النساء، وهو السم، وتظاهرت بالمودة واتجهت إلى إهداء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم شاة، وضع السم فى أجزائها، وتعرفت ما يحبه النبى عليه الصلاة والسلام من أجزاء الشاة، فقيل لها الذراع فزادتها سما، وأكثرت فيها.
أهدت النبى صلى الله تعالى عليه وسلم الشاة، فجاءت بها ووضعتها بين يديه، تناول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ذراع الشاة التى هى أحب أجزائها إليه، فلاك منها مضغة فلم يسغها، لعل ذلك لأنها أسرفت فى وضع السم فيها، فكان غريب المذاق، ولذلك رماها من يده ولم يأكلها ولفظها، وكان معه على الطعام صاحب له هو بشير بن البراء بن معرور، فأكل هو الآخر، فأساغها ولعل ذلك لعدم ظهور السم، وإن كان كامنا، ومات بشر من أكلته هذه، ولكن ذلك لم يكن فور تناولها.