للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الوداع]

٧١٨- عاد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لخمس بقين من ذى الحجة فى السنة العاشرة، وعاش أكرمه الله تعالى بقية ذى الحجة، والمحرم كله، واعتراه بعد ذلك وجع مرض الموت متجها إلى لقاء الرفيق الأعلى فى صفر من السنة الحادية عشرة، روى أن ذلك ابتدأ فى الليلة الحادية عشرة منه وروى أنه ابتدأ لليال بقين منه فى آخره، ثم كانت الوفاة بعد حياته المباركة للبشرية كلها فى ربيع الأول، وروى فى أوله فى ليال مضت منه، وروى أنه فى الثانى عشر منه، ويرجح ذلك الأكثرون من الرواة، وكان ذلك فى يوم الاثنين من ذلك الشهر الذى كان فيه ميلاده ومبعثه، وهجرته، ثم توديعه الدنيا إلى لقاء ربه الكريم.

وكانت أمارات الوداع ظاهرة بينة، ونذكر أمورا ثلاثة كانت فى أول مرضه.

[أولها:]

أنه روى عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبى مويهبة مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. قال: بعثنى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من جوف الليل، وقال إن الله تعالى أمرنى أن أستغفر لأهل هذا البقيع فانطلقت.

وفى رواية الإمام أحمد عن أبى مويهبة أنه قال: «أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يصلى على أهل البقيع، فصلى عليهم ثلاث مرات، فلما كانت الثالثة قال يا أبا مويهبة أسرج دابتى، فركب ومشيت حتى انتهت إليهم فنزل عن دابته، وأمسكت الدابة، فوقف فقال: ليهنكم ما أنتم فيه مما فيه الناس، أتت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا، الآخرة أشد من الأولي، فليهنكم ما أنتم فيه مما فيه الناس ثم رجع فقال يا أبا مويهبة إنى خيرت بين مفاتيح ما يفتح على أمتى، ولقاء ربى فاخترت لقاء ربى.

وإن هذه الرواية تدل على أن الصلاة على أهل البقيع من موتى الصحابة كانت قبل ذهابه عليه الصلاة والسلام إلى قبورهم، وخطابه إياهم.

وقد روى ابن إسحاق عن ابن مسعود عن عائشة أنها قالت: رجع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من البقيع، وأنا أجد صداعا فى رأسى وأقول وارأساه، فقال: بل أنا والله يا عائشة وارأساه، ثم قال: وما ضرك لو مت. قلت: والله لكأنى بك لو فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتى، فأعرست فيه إلى بعض نسائك.

وفى هذا الخبر نجد أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد أعلن تقديره وتكريمه لصحابته، وهم أموات كما كانوا أحبابه، وهم أحياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>