للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيهما: أن صاحب الروض الأنف يذكر فيما نقلنا أن الأشهر أنه ولد بعد خمسين يوما من قدوم جيش أبرهة، ولكن هناك قول اخر مشهور وهو أنه ولد بعد خمس وخمسين، كما فى رواية أبى جعفر محمد الباقر، إذ يذكر أن الفيل قدم فى النصف من المحرم، فيكون المناسب لليلة الثانية عشرة هو أن يكون قد مضى خمسة وخمسون ليلة «١» .

وإن ذلك يتفق من التقدير الشمسى بعشرين من نيسان، ولذلك نختار هذا إذا كانت روايته وثيقة، وإن ذلك الاختلاف اليسير فى ليلة مولده عليه الصلاة والسلام لا يضر لأنه عليه الصلاة والسلام وجد وشاهد الوجود الإنسانى وكان شهيدا على أمته حفيظا على شرعها، يشهد للمؤمنين بشرعه ويشهد على العصاة الخارجين، وأمته شاهدة على الناس بالحق، تبين للمنحرفين، وتهدى السالكين.

وروايات الميلاد جاءت على ألسنة من عاصروها، وما يعتمد على المشاهدة أو المعاصرة قد يختلف فيه العلم، فيذكر كل إنسان ما يعلم، وإن كانت الحقيقة لا تختلف، والمؤرخ يتعرفها من وراء الاختلاف اليسير، والله سبحانه وتعالى هو العليم.

[إرهاصات النبوة يوم مولده:]

٨٢- وضعت امنة الطاهرة حملها الطاهر الذى لم يثقل، فأضاء الوجود ببزوغ شمس هذا الوجود، وقد ذكرت الروايات فى كتب السيرة أمورا كثيرة ظهرت غب ولادته، أو قارنت الولادة:

(أ) فقد قالوا أنه خرت الأصنام، وتزايلت عن أماكنها، وتمايلت على وجوهها، لأنه جاء هادمها، وليس ذلك منها بإرادة، ولكنها بإرادة القاهر الحاكمة على كل شىء.

(ب) ظهر النور حتى أضاء قصور الشام.

(ج) جاء فى سيرة ابن اسحق «كان هشام بن عروة يحدث عن أبيه عن عائشة قالت كان يهودى قد سكن مكة يتجر فيها، فلما كانت الليلة التى ولد فيها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، قال فى مجلس قريش: يا معشر قريش. هل ولد فيكم الليلة مولود، فقال القوم: والله ما نعلمه، فقال: الله أكبر أما إذا أخطأتم فانظروا واحافظوا ما أقول لكم، ولد هذه الليلة نبى هذه الأمة الأخير بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات» .

وروى ابن إسحاق عن حسان بن ثابت «قال إنى لغلام تبعة ابن سبع سنين أو ثمانى سنين، أعقل ما رأيت وسمعت، إذا بيهودى فى يثرب يصرخ ذات غداة يا معشر يهود فاجتمعوا إليه وأنا أسمع، قالوا: ويلك مالك، قال قد طلع نجم أحمد الذى يولد الليلة» .


(١) البداية والنهاية لابن كثير ج ٢ ص ٢٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>