المدينة، ثم مات إياس، وقد قال من حضر موته من قومه إنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل لله ويكبره ويسبحه ويحمده، فما كانوا يشكون فى أنه مات مسلما، وإن الله تعالى قد أنار بصيرته، وأعطاه الله نفسا طيبة تدرك الحق عند أول سماعه، وتؤمن به إذ خلصت لله تعالى.
[يوم بعاث:]
٣٠٩- بعاث موضع بالمدينة المنورة، تقاتل فيه الأوس والخزرج، وكانت بينهم مقتلة عظيمة، قتل فيها خلق كثير من أشراف الأوس والخزرج وكبرائهم، ولم يبق كما يقول ابن كثير من شيوخهم إلا القليل، فعضتهم الحرب عضا شديدا بنابها، وكان ذلك غب عودة الأوس من مكة المكرمة، وعرض النبى صلى الله تعالى عليه وسلم نفسه عليهم، وأجابه شاب منهم، ونهره رئيس الوفد.
وإن الشدة فى كثير من الأحيان توجد فى القلب نورا، وكأن الأحياء فى تناحرهم يحدث من التحامهم نور يضيء كالنور الذى يحدث من احتكاك شيئين أحدهما موجب والاخر سالب.
فقد كانت واقعة بعاث هذه بعد دعوة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم داعية أهل يثرب للتفكير فيما جاء به عليه الصلاة والسلام، وعندهم معرفة عارضة ببعثه صلى الله تعالى عليه وسلم، فإنه كان ابتداء لدخول الناس من يثرب فيه جماعات، بعد أن كانوا يدخلون احادا.
وقد روى البخارى فى صحيحه بسنده عن عائشة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها، أنها قالت:
«كان يوم بعاث يوما قدمه الله تعالى لرسوله» . قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى المدينة المنورة، وقد افترق ملؤهم، وقتل سراتهم.
لقد اكتووا بنار الحرب، ومن اكتوى بها، طلب برد السلام والاطمئنان، وفتح قلبه لنعمة الله تعالى.
[بدء إسلام الأنصار]
٣١٠- قلنا إن دخول الإسلام يثرب بالاحاد، يدخلون فيه فرادى ثم جاء من بعد ذلك من يدخلون فى دين الله تعالى أفواجا أفواجا.
وإن أولئك الاحاد كانوا يذكرون نعمة الإسلام فى عشائرهم، فيستأنسون به، ولم تكن لهم بأسرة النبى عليه الصلاة والسلام عداوة، حجبتها المنافسة، أو الحسد، أو أثارها الحقد على بيته الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم، فوجدت بينهم معرفة الحق، وموجبات اتباعه، من غير أن تكون الموانع التى تصد عن