وقد كان خلف شديد انتهى إلى صلح سديد، لأن المختلفين أزمعوا الحرب، وحيث قد بلغ الخلاف أقصاه تنبه المختلفون إذ نبهتهم العاقبة المرتقبة إلى أن يكفوا، أو يكف كل فريق عن غلوائه، فتداعوا إلى الصلح.
اصطلحوا على أن يكون فى بنى عبد مناف السقاية والرفادة، وأن تكون الحجابة واللواء. والندوة فى بنى عبد الدار كما هى.
وكان هاشم أصبح بنى عبد مناف، وأنقبهم صحيفة، ولذلك كان له الشرف على إخوته، ونال مما أخذه بنو عبد مناف، وكان ينفس عليه أخوه عبد شمس ما كان له من شرف ذاتي، ومكانة عند العرب عامة، وعند قريش خاصة، وقد أعقبه فى شرفه مربى النبى عليه الصلاة والسلام عبد المطلب، وهنا نقف وقفة عند عبد المطلب.
[عبد المطلب:]
٦٥- نقف عنده وقفة قصيرة، لأنه هو الذى حضن النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو فى سن الحضانة، وعبد المطلب أمه من يثرب مهاجر النبى صلّى الله عليه وسلّم، وهى من بنى النجار بها، وقد شب فى حياته الأولى فيها، وقد تربى بينهم فى دار الغربة حتى أتى به عمه المطلب، ودخل مكة ولزم صحبته، فقيل له عبد المطلب.
وقد أعطته قريش رياستها، واستحق ذلك بقوة نفسه وقوة خلقه، وسماحته، فهو لشبابها أب ولكهولها أخ، فى طلعته يمن، وفى خلقه عزمة قوية؛ ولكن فى هدوء، وسمت طيب راض، وطيبة، ولكن فى غير هوان.
هو الذى حفر زمزم بعد أن طمرتها جرهم عندما سيطروا على مكة، وكانت لهم قوة فيها، واستمرت مطمورة عبر السنين، حتى حفرها عبد المطلب، فسقوا من مائها، وأثار ذكريات إسماعيل عليه السلام بحفرها، وملأهم عزة وكرامة باستعادة بئر كانت ببركة أم إسماعيل الذى كان هو وأبوه فخر العرب، وزاده ذلك شرفا فيهم، وعلوا، وما كان لطيبة نفسه بالذى يستعالى على أحد بمناقبه، وما أعطاه الله من حسن النقيبة ويمن الطالع، بل يحمد الله تعالى على ما وفقه وهداه.
ويذكر كتّاب السير أنه حفرها برؤيا صادقة مكررة، وكأنها إلهام من الله تعالي، ألهمه سبحانه وتعالى إياه لصفاء نفسه، وإشراق روحه.