للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نقض الصحيفة فعلا]

٢٧٧- نقضت الصحيفة المشئومة، ولا شك أنه فى وسط الجاهلية العمياء وجد بصر رجح داعى المروءة، وصلة الرحم، وأكثرهم كانوا ذوى نسب أو صهر بنى هاشم أو قرب نسب من البطون، أو سبب الأنكحة، ومنهم من حركتهم المروءة والنخوة، واحترام الأرومة، وترجيح الشرف مع اختلاف الدين على الضعف بسببه. وقاوموا نذلة أبى جهل، ودقوا أنفه، وقال قائلهم: لو كان فيهم ذو رحم بأبى جهل ما ارتضى تلك القطيعة.

وقد قدر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لذوى المروات مروءتهم، وأكثرهم دخل فى الإسلام وحسن إسلامه، وكان خيرا فى جاهليته وخيرا فى إسلامه فاجتمعت له الحسنيان، ونال الشرفين شرف الهمة والمروءة وشرف الإيمان.

ومنهم من لم يدخل فى الإسلام، ولكن محمدا عليه الصلاة والسلام عرف له مروءته، وقدرها له حق قدرها.

ومن هؤلاء أبو البخترى فهو الذى ضرب أبا جهل بلحى البعير ووطأه وطئا شديدا عندما منع حكيم ابن حزام من توصيل القمح لخديجة وزوجها خاصة وبنى هاشم عامة.

وأبو البخترى هذا كان أحد الخمسة الذين نادوا حول الكعبة الشريفة بوجوب خرق الصحيفة ونقض ما فيها، وأصر على ذلك إصرارا جعل أبا جهل وأشباهه يخرجون مذمومين مدحورين.

عرف النبى صلى الله تعالى عليه وسلم تلك السابقة المكرمة، ومحمد عليه الصلاة والسلام لا ينسى السابقات المكرمات، واعتزم أن يجزيه على موقفه الجزاء الموفور، فالوفاء خلق محمد عليه الصلاة والسلام، وخلق الإسلام.

ولقد كان يتمنى عليه الصلاة والسلام أن يسلم، ليكون كإخوانه الذين أسلموا، ونالوا الحسنيين ولكنه لم يسلم، بل استمر على شركه، وبلغه عليه الصلاة والسلام أنه خرج مقاتلا فى صفوف المشركين فى غزوة بدر الكبرى، فأوصى المسلمين ألا يقتله أحد منهم إذا لقيه وتمكن منه.

فلقيه أحد المجاهدين ومعه صاحب له من المشركين، فذكر له وصية النبى عليه الصلاة والسلام، فدفعته مروءته أيضا إلى ألا ينفرد بالنجاة، ويقتل صاحبه، فقال إما نقتل معا، وإما أن ننجو معا، فقتلهما المجاهد معا، وليته لم يفعل.

<<  <  ج: ص:  >  >>