للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجميع، وأباح دم التسعة الذين ذكرهم وأجاز قتلهم، ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة الشريفة. وأنه لم يقسم أرض مكة المكرمة بين القائمين ولم يعتبر أموال أحد من أهلها غنيمة ولا نفلا من الأنفال، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم نهى عن القتل والقتال، فكيف يقال بعد ذلك إنها فتحت عنوة، إن المقياس الضابط بين العنوة والصلح هو أن يكون تسليم أهل البلدة فى العنوة بقوة السيف والغزو، وأما الصلح فهو التسليم من غير قتال ولا أمن، ولقد سلم أهل مكة المكرمة من غير قتال، وكان الأمن الكامل من الرسول الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم هو فى قوله «اذهبوا فأنتم الطلقاء» .

وإنا نميل إلى أن مكة المكرمة لم تفتح عنوة ولا صلحا، فلم يتحقق أصل الفتح، وإنما تحقق اللقاء بالمودة والرحمة من غير عقد، بل بما هو أعلى من العقد، وهو صلة الرحم بعد قطعها من قريش، ولو أننا اخترنا الموازنة بين الرأيين، وكان لا بد أن نختار أحدهما، لاخترنا أنها لم تفتح عنوة.

[مكة المكرمة وما يحرم فيها:]

٦٠٨- قلنا إن الله تعالى حرم القتال فى مكة المكرمة، ونقلنا قول الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فى ذلك، والآن سنذكر بعض الأحكام المتعلقة بمكة المكرمة فنقول.

إن الله تعالى حرم الصيد فى الحرم الشريف مكة المكرمة وما حولها لمن أحرم بالحج، ولقد قال تعالى فى ذلك: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ، وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ، وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (المائدة- ٩٦) .

ولقد ذكر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم تحريم القتل والقتال فى مكة المكرمة، وذكر بعده محرمات أخرى فقال صلى الله تعالى عليه وسلم: «إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهى حرام بتحريم الله سبحانه وتعالي، لا تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحل لى إلا ساعة من الدهر، لا ينفر صيدها، ولا يعضد شوكها، ولا يتخلى خلاؤها، ولا تحل لقطتها إلا المنشد، فقال العباس إلا الإذخر فإنه لا بد منه للدفن والبيوت، فسكت النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ثم قال: إلا الإذخر.

هذا ما رواه البخاري، وقد انفرد بروايته، وحسب البخارى صدقا، لأنه صادق فى جملة ما رواه.

وإن أخذت عليه بعض الأحاديث لمتنها.

وبذلك ننتهى من بيان هذا الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>