ومهما يكن الأمر فى شهوده تلك الحرب الاثمة، حتى فى نظر الذين أشعلوها، فقد كان من النظارة، ولم يشترك إلا أن يكون وقاية لذوى رحمه.
[حلف الفضول]
١٠٩- عاش النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى مطلع حياته مع قومه يشاركهم وجدانهم، إذ كان يتجه إلى الخير، ويتجنب الشر ولا ينغمس، فهو يفعل ما يتفق مع الفطرة المستقيمة التى فطره الله تعالى عليها، والمنهاج القويم الذى هداه الله تعالى إليه وأدبه بأدبه.
ومن ذلك حلف الفضول الذى قال فيه ابن كثير إنه كان أكرم حلف وأشرفه فى العرب وقد كان ذلك الحلف، والنبى عليه الصلاة والسلام قد بلغ العشرين، وقد أجمع الرواة على ذلك، وقالوا إنه كان بعد حرب الفجار. كان حلف الفضول فى شهر ذى القعدة، وكان الفجار قبله بأربعة أشهر، أى أن الفجار كان فى شهر رجب وهو من الأشهر الحرم، ولم يذكروا أن حرب الفجار كان والحج قائم، وشهر رجب ليس من أشهر الحج، وإن كان من الأشهر الحرم.
وقالوا أن سببه أن رجلا من زبيدة قدم مكة ببضاعة، فاشتراها منه العاص بن وائل، فحبس عنه حقه، فاستعدى عليه بنى عبد الدار، ومخزوما وجمح، وغيرهم، فلما رأى الرجل أن حقه ضائع، وبدا القعود فيمن استعان بهم علا جبل أبى قبيس عند طلوع الشمس، وقريش فى أنديتهم حول الكعبة المشرفة فنادى بأعلى صوته منشدا:
يا ال فهر لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائى الدار والنفر
ومحرم أشعث لم يقض عمرته ... يا للرجال، وبين الحجر والحجر
إن الحرام لمن تمت كرامته ... ولا حرام لثوب التاجر الغدر
فالرجل يثير فيهم الحمية بذكر الظلم الواقع عليه، وأنه واقع ببطن أرض الله، وبجوار البيت المقدس الذى لا تخطف فيه الأموال وتضيع الحقوق، وأن الظلم بين الحجر، وبين الحجر الأسود الذى يقدسونه، ويشير إلى أنه محرم للعمرة....
كان أول من استجاب لنداء الله، وتقدم لإغاثته بنو عبد المطلب، فقام فى ذلك الزبير بن عبد المطلب، وقال: ما لهذا مترك أى لا يصح أن يترك.