للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن هذا يدل على أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بالنسبة للرق عامل بنى قريظة، ومن وراءهم من المشركين بمثل ما كانوا يعاملون به المؤمنين، حتى في غير حرب، ولكن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عاملهم بالمثل في حرب كان الاعتداء من جانبهم، فهم اعتدوا مرتين، الأولى بالخيانة وتتبع عورات المؤمنين، والثانية بأنهم هم والمشركون كانوا يسترقون المؤمنين لو تمكنوا منهم، وقد تمكن منهم القرشيون فباعوهم وعذبوهم، كما ذكرنا في يوم الرجيع.

[الإيماء بالصلاة للضرورة]

٤٨٠- أجيز الإيماء بالصلاة للضرورة وفي حال المنازلة إذا خيف فوات الصلاة، وقد أخرنا الكلام في هذا عن الكلام في جمع الصلاتين جمع تأخير، لأن هذا يتعلق برجل أراد أن يجمع الناس من عرفة ليغزوا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم في المدينة، وهو خالد بن سفيان بن نبيح الهذلى، وكان ذلك عقب غزوة بنى قريظة، وقد تأكد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قد اعتزم الشر، وأراد القتال، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان يعمل على حسم الشر قبل وقوعه، فإذا كان رجل يجمع ويحرض، وأخذ ينفذ ما شرع فيه يستأصله النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قبل أن ينفذ شره، لأن الحذر يوجب ذلك، ولأنه إن يتركه جمع الجموع، وكان القتل في الجمع أكثر عددا من قتل واحد، ولذلك كان يؤثر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قتل رجل على حرب مع رجال لحماية الأنفس من المحاربين ولو كانوا مشركين، فعسى أن يخرج الله تعالى الكفر من قلوبهم، ويستبدل به الإيمان.

أرسل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى خالد بن سفيان عبد الله بن أنيس وقال له: إنه بلغنى أن خالد بن سفيان بن نبيح الهذلى يجمع لى الناس ليغزوني، وهو بعرفة.

خرج ابن أنيس متوشحا سيفه، فأقبل نحوه، وخشى أن يكون بينهما مجاوبة تشغله عن الصلاة، والصلاة لا يسقط فرضها، فصلى وهو يمشي، يوميء بالركوع والسجود حتى لقيه، فقال له خالد: من الرجل؟ قال: رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل، فجاءك لذلك، قال: أجل أنا في ذلك، وسار معه قليلا، حتى استمكن منه فقتله.

ومن هذا نرى جواز الصلاة بالإيماء في الحرب للضرورة، إذ أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد أقر ما صنع في عبادته في الصلاة، وأقر بما قام به من جهاد.

وإن ذلك لا يعد القتل فيه بطريق الغدر أو الغيلة، لأنه انتدب للقتال، فيجب أن يتوقع أن ينزل به مثل ما يدبر، ولأن قتله نجاة لكثيرين، والضرر القليل يحتمل في سبيل دفع ضرر أكبر، وإن هذا يدل

<<  <  ج: ص:  >  >>