للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التاريخ لم يذكر أنها رأته، فلنفرض أنها كانت تراه من وقت بعد اخر، وإذا كان التاريخ لم يذكر الرؤية، فإن أقصى ذلك أنه لم يثبتها، ولم ينفها، فالفطرة والحنان يوجبانه، وهما أصدق خبرا، ولذلك نقرر أنها لابد كانت تراه من حين لاخر «١» .

وأنه بعد أن استغنى عن الرضاعة، وبلغ فيها حولين كاملين، يكون من الحق على المرضع أن ترده إلى أهله، وإذا كانوا يرون أن يبقى عندها فإنه يكون برجاء منها، ورضا منهم، وهذا ما فعلته، فقد قالت:

قدمنا به على أمه، ونحن أضن شيء به مما رأينا فيه من البركة، فلما رأته أمه، قلت لها: دعينا نرجع بابننا هذه السنة الاخرى، فإننا نخشى عليه وباء مكة. فو الله مازلنا بها، حتى قالت: نعم.

رأت الخير بين يديه، فأرادت أن تبقيه ليبقى الخير، ولأنه قد نال محبتها، وأصبحت لا تستطيع فراقه كأنها التى حملته، ولم ترض الأم التى حملت به أن تتركه لشوقها إليه، ولتضمه أحضانها، فلم تسلمها ولدها لأول طلب، بل مازالت بها حتى قبلت، ولعل قبولها سببه ما ذكرته من أنها تخشى عليه وباء مكة، وتريده أن يكون مستمتعا بجو الصحراء الصافى من حمل الأسقام والأوباء فهى قد رضيت إيثارا ومحبة.

[اخبار شق الصدر]

٩٠- عادت حليمة فرحة ببقاء الخير والبركة ببقاء محمد فى حضانتها، وإذا كانت من قبل مرضعا وحاضنة فهى الان حاضنة، وإن ذلك يحملها عبئا اخر، وهو صيانته وحفظه، إذ كان من قبل يلازم حجرها، أو يكاد، أما الان فإنه لا يلازم حجرها، بل يغادره ليلعب، ليروح ويغدو، هنا وهناك، وإن ذلك يحتاج إلى صيانة.

وكانت تتبعه وقد خرجت مرة لتبحث عنه مع أخته من الرضاعة، وكان الحر شديدا، فتقيل كلاهما، (أى استرخى فى القيلولة) فقالت الفتاة، إنه لا يحس بحر، لأن غمامة تسير حيث يسير، وتقف حيث لا تتركه.

ونقف وقفة قصيرة عند الأخبار الواردة فى شق صدره عليه الصلاة والسلام، فقد رويت فى ذلك أخبار بعضها فى خبر قصير، وبعضها فى خبر طويل، ولا تخلو من زيادة فى بعض، ونقص فى اخر، وإن كان المعنى الأصلى متفقا فى الجميع.


(١) الاكتفاء ص ١٧١- ج ١ «وسيرة ابن هشام» .

<<  <  ج: ص:  >  >>