للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويقول فى ذلك ابن كثير: فيجب التمييز بين السابق من هؤلاء الوافدين زمن الفتح ممن يعد وفوده هجرة، وبين اللاحق لهم بعد الفتح ممن وعد الله تعالى خيرا وحسنى، ولكن ليس فى ذلك كالسابق له فى الزمان والفضيلة.

ونحن نرى أن الفتح الذى جاء به القرآن الكريم كان سنة ست بصلح الحديبية لأن الله تعالى سمى صلح الحديبية فتحا، وقد كان كذلك، لأنه فرق بين قوة الحرب وقوة السلام، وقد دخل الناس بعد صلح الحديبية أفواجا فى الإسلام، والذين كانوا قبل صلح الحديبية هم الذين قرر الله تعالى فى كتابه الكريم، أنهم الذين رضى عنهم ورضوا عنه فى قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ، فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (الفتح: ١٠) .

وقال سبحانه وتعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (الفتح: ١٨) .

هؤلاء هم الذين أنفقوا من قبل الفتح، ومن جاء بعدهم ليس مثلهم، فليس عمرو بن العاص كعلى بن أبى طالب، وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، وأبى عبيدة عامر بن الجراح، وغيرهم، هؤلاء هم الذين سبقوا بالحسنى وقاموا مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بالجهاد والإسلام غريب، وكان من بعد ذلك عموم الدخول فى الإسلام، ولذلك كان الذين أسلموا بعد الحديبية والفتح أضعاف الذين أسلموا من قبل.

[وفد مزينة]

٦٥٦- جاء هذا الوفد عند الحديبية وقبل الفتح، ومجيئه فى ذلك الوقت يدل على أن دخول الناس فى دين الله أفواجا كان بعد الحديبية، وامتد إلى ما بعد فتح مكة المكرمة وتبوك.

روى أن أول وفد من مضر كان وفد مزينة بأربعمائة من مضر، وروى أن ذلك فى رجب سنة خمس، وقد جاؤا مهاجرين، وقالوا إن أول من وفد من مزينة خزاعى بن عبد سهم، ومعه عشرة من قومه، فبايع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على إسلام قومه، ولما رجع إليهم لم يجدهم كما ظن فيهم إذ تأخروا عنه.

ويظهر أن أولئك الأربعمائة جاؤا بعد أن فشا الإسلام فيه، وبعد أن أغلق باب الهجرة إلى المدينة المنورة، وأريد أن يعمر الإسلام البلاد العربية كلها، فقال: «أنتم مهاجرون حيث كنتم فارجعوا إلى أموالكم» .

<<  <  ج: ص:  >  >>