كانوا فى حاجة إلى ذلك، لحداثة عهدهم بالجاهلية، ولم يعيشوا فى ظل القرآن الكريم كأهل المدينة المنورة، بل كانوا يناوئون أهل القرآن الكريم، وإن علم بلغاؤهم مكانته، وأنه يعلو ولا يعلى عليه.
وقد عاد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الجعرانة بعد عمرته، ولم يمكث بها إلا قليلا، وفيها وزع بقية الفيء والغنائم، ومنها سافر إلى المدينة المنورة حتى بلغها لليال ست بقيت من ذى القعدة.
وقد ترك الطائف على شركه، وإن أخذت تميل نحو الاسلام على عنجهية الجاهلية.
وكان مالك بن عوف يغير عليها آنا بعد آن، فإن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أدناه منه وأسلم وحسن إسلامه، فكان من بعد ذلك يرهقها بالغارات ويجيء إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بما يدل على أنها تلين إلى الإسلام شيئا فشيئا، حتى لانوا كما سنبين فى وفدهم.
[قدوم كعب بن زهير]
٦٣٤- قدم كعب بن زهير على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعد عودته من عمرته، وما كان لنا أن نهتم بما نكتب بشاعر أو كاهن، وما كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يحتاج إلى داعية يدعو بمفاخره، فرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مقامه عند الله العظيم، وما كان يحتاج إلى شاعر يشيد بمنصبه فرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد دان بالطاعة له كبراء العرب، وغيرهم هو فى مكانته رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الذى كان يلقى عليه أبو جهل فرث الجزور، فمكانته عند الله وفى نفسه، وعند كل ذى لب واحدة.
ولكنا ذكرناه لأن قدومه يدل على بلوغ الدعوة الإسلامية كل نواحى البلاد العربية قاصيها ودانيها، وإن فتح مكة المكرمة جعل القلوب تتجه إليه، والمنكرين يصدقون، والنافرين يدنون، ويأوون.
لقد كان كعب هذا يشارك المنكرين وينشد شعره فى ذم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فلما ظهر النور الذى لا ينطفيء مال إلى أن يتقدم إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم مهديا، بعد أن جافاه، وهو ابن زهير بن أبى سلمى حكيم الشعراء فى الجاهلية، فهو من بيت جاهلى فيه شعر الحكمة.
وعندما هم بأن يذهب إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم حذره أخوه بجير بن زهير بن أبى سلمى، وكتب إليه يخبره أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قتل رجالا بمكة المكرمة ممن كان يهجوه ويؤذيه، وأن من بين شعراء قريش ابن الزبعرى وهبيرة بن أبى وهب، قد هربوا منه فى كل وجه،