وإن حرب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، كما سنرى حرب فاضلة فيها الرفق وفيها الفضيلة، وإن اشتجرت السيوف، وتلاقى الناس بالحتوف، فهى تعلم الناس كيف تكون الفضيلة، والسيوف تقطر دما، وكيف تكون المرحمة في الحرب، وهى في أصلها أمر مكروه في ذاته، فإذا دخلتها الرحمة، فإنها تكون كالنسيم العليل في الحر اللافح، وكالظل في الحرور. وقبل أن نتكلم في غزوات النبى صلى الله تعالى عليه وسلم نتكلم في بيان الفضيلة فيها، وإنا نأخذ ذلك من أوامر القرآن الكريم للمجاهدين وعمل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم في سيرها وفي انتهائها، وفي وصاياه عليه الصلاة والسلام لجيوشه. وقد كان أصحابه من بعده يتبعونها ويحكمونها غير منحرفين عنها.
[الفضيلة في الحرب]
٣٥٣- إن الرحمة من الفضائل الإنسانية العالية، ورحمة الإسلام ليست انفعالا نفسيا وقتيا.
ولا شفقة أو رأفة شخصية تكون على الفاضل والآثم، والبر والفاجر، بل إن رحمة الإسلام هى الرحمة بالعامة وقد تكون الحرب رحمة بالعامة، بل إنها يجب أن تكون كذلك ما دامت حربا فاضلة، كما تلونا من قبل قوله تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ، وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ. فالشفقة على الظالم والامتناع عن الاقتصاص منه ليست من الرحمة في شيء، لأنها تخفى في ثناياها قسوة على المظلوم، ولذلك قال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم:«من لا يرحم لا يرحم» .
فالحرب الإسلامية شرعتها الرحمة، وأظلتها الرحمة، وأنهتها الرحمة، وإذا كان من الرحمة بجسم الإنسان أن تقطع بعض الأجزاء المئوفة، حتى لا تفسد الجسم، فإن من الرحمة بالناس أن تقطع عناصر الفساد، لأنها تئوف الجماعة، وأن يرد الاعتداء بقطع عناصره لسلامة الناس، وأن يعيشوا آمنين، وكلمة الحق تسرى بينهم ولا محاجزات تحول دون النطق بها.
ولنتكلم في حرب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، معتمدين على كتاب الله تعالى، وعلى السنة النبوية.
فالباعث عليها. كما نص القرآن الكريم رد الاعتداء على المسلمين، فقد قال تعالى: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وقال تعالى:
وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (البقرة- ١٩٣) وبين سبحانه أن يعامل المعتدون بمثل اعتدائهم. قال تعالى: فَمَنِ