للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ساحر، وإن ذلك فتنة، ولعل هذه المصادفات كانت من أسباب عبادة الأصنام التى لا تملك من الأمر شيئا وكان ما ينتجونه يجعلون نصفه لهذا الصنم قربانا، ونصفه لله، وما يجعلونه لله، يعطون لصنمهم منه شيئا، ولا يعطون مما لصنمهم شيئا لله تعالى، وذلك كله فيما يحسبونه للقربات.

وقد ذكر متكلم الوفد ذلك لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من أنهم كانوا يقسمون لصنمهم هذا من أنعامهم وحروثهم، وأنهم كانوا يجعلون ذلك جزآ له وجزآ لله فى زعمهم، قالوا كنا نزرع الزرع، فنجعل له وسطه (أى أحسنه) فنسميه له، ونسمى زرعا آخر حجرا لله تعالى، فإذا مالت الريح، فالذى سميناها لله جعلناه لعم أنس، ولم نجعله لله تعالى، فذكر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله أنزل فى كتابه عملهم مستنكرا، فقال تعالى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً، فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا، فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ، وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ، ساءَ ما يَحْكُمُونَ (الأنعام: ١٣٦) .

وهكذا كانت الأوهام مسيطرة عليهم تلك السيطرة، وقد اقتلعتها عقيدة الوحدانية اقتلاعا من نفوسهم، وكانت دعوة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وما اقترن بها ظاهرة لهذه الأوهام مبينة ما فيها من زيف وباطل، وتبين الرشد من الغى والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم.

وقد أوصى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بوصايا كريمة، أوصاهم بالوفاء بالعهد، وأداء الأمانة وحسن الجوار لمن جاوروا وألا يظلموا أحدا وقال عليه الصلاة والسلام: «إن الظلم ظلمات يوم القيامة» .

وسألوه عن فرائض الدين وأحكامه فعلمهم إياها. ثم غادروه بعد أيام، وأجازهم العطايا، ولما رجعوا إلى قومهم لم يحلوا عقدة رحالهم حتى هدموا عم أنس صنمهم.

[وفد محارب]

٦٨٤- أخذ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل فى السنتين الآخريين من مقامه بمكة المكرمة قبل الهجرة وذلك فى موسم الحج، بعد أن علم أنه لن يؤمن من قريش إلا من قد آمن، فكان أشد القبائل غلظة فى الرد وعنفا فى اللقاء قبيلة محارب، ردوا دعوة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى التوحيد ردا فظا غليظا منكرا. وذلك لغلظ قلوبهم، ولذلك كانوا من آخر القبائل إيمانا، فلم يجيء وفدهم إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مؤمنا إلا فى السنة العاشرة عام حجة الوداع.

<<  <  ج: ص:  >  >>