للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوليد بن المغيرة، وعلى بن أمية بن خلف، والعاص بن منبه بن الحجاج.

وقد قتل هؤلاء يوم بدر....

قال ابن إسحاق، وفي هؤلاء نزل قول الله سبحانه وتعالى إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ، قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ، قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ، قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها، فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً. إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (النساء ٩٧- ٩٩) .

وسواء أصح أن تكون حال هؤلاء هى سبب النزول أم لم يصح، فإن الآية توجب على كل مؤمن يقيم في أرض الكفر أن يخرج مهاجرا إلى الله حيث يكون قوة للإسلام، ولا يتخذ قوة للكفر، وإن ثبت أن النزول كان لذلك السبب، فإن الآية عامة، وكما يقول علماء الأصول إذ العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.

[الكرامة الإنسانية في أعقاب المعركة:]

٣٨٧- قلنا إن حرب الإسلام هى حرب الفضيلة- لا يستباح فيها إلا الدماء، ولا تباح فيها المثلة تكريما للإنسان، ولا يترك فيها أشلاء الإنسان تنهشها الذئاب والغربان، بل إنها تدفن تكريما للإنسان، وذلك لقول الله سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ، وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا (الإسراء- ٧٠) وإن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كرم الإنسان حيا وميتا، والقتل في الميدان عند الاعتداء، لا يتنافى مع تكريم الإنسان، لأنه العدل، والعدل فيه تكريم الإنسانية دائما، ففيه تكريم الإنسان الفاضل بأخذ الحق له، وتقويم الفاسد بأخذ العدل منه.

ومن هذا المبدأ السامى لم يترك النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قتلى بدر من المشركين تنوش جثثهم سباع الحيوان، ولا تنقرها الغربان جيفا ملقاة في الأرض، كما فعلت جيوش في قتلاها أنفسهم، لا في قتلى أعدائهم فقط.

بل إن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد جاء إلى حيث القتلى من قريش في هذه المعركة المباركة فدفنهم في القليب، وهو بئر جافة، وتقول عائشة فيما رواه عنها ابن إسحاق: «أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالقليب فطرحوا فيه، إلا ما كان من أمية بن خلف، فإنه انتفخ في درعه،

<<  <  ج: ص:  >  >>