وقد حدثت وهم فى الرجوع خوارق للعادة على يد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وإن ذلك لكثير فى حياته صلى الله تعالى عليه وسلم، تتبعه دلائل النبوة وتسايره، وحيثما كان فى حله وترحاله بينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يسير، والعطش شديد، والماء نادر، والأرض صحراء رملة وكان فى الطريق ماء يخرج من وشل ينحدر قليلا من مرتفع، فنهى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عن أن يستقى منه قبل أن يصل، فاستقى منه ناس، فاستقوه، إذ لا يسقى إلا راكبا أو راكبين إلى ثلاثة.
فلما جاء إليه الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم لم يجد ماء، فدعا على الذين استقوه، ثم وضع يده تحت الوشل «المكان المرتفع» ودعا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما شاء أن يدعو الله تعالى ضارعا إليه فانخرق. ويقول فى وصفه ابن إسحاق: ما إن له حسا كحس الصواعق، فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه، وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لئن بقيتم أو من بقى منكم، لتسمعن بهذا الوادى.
وإن هذا الحال كحال موسى إذ استسقى لقومه فضرب الحجر فانبثق منه اثنتا عشرة عينا، فقد قال الله تعالى فى ذلك: إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ، فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ، فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً، قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ، كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (البقرة: ٦٠) .
إنها نبع النبوة وصل إليه موسى بعصاه، ووصل إليه محمد صلى الله تعالى عليه وسلم بيده، فقد رأى نشز الأرض يقطر قليلا فدعا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فانخرق، وصار له حس كحس الصواعق، كما قال ابن إسحاق.
[القائد يرعى جنده حيا وميتا:]
٦٤٩- إن القائد يجب أن يكون محبا لجنده يحنو عليهم كما تحنو الأم على ولدها، لأنهم خرجوا مقدمين أنفسهم فى سبيل الله تعالى، غير مدخرين مالا، تاركين الأهل والولد، والراحة، فلا جزاء لهم إلا جنة الله فى الآخرة ومظاهر التكريم فى الدنيا.
وقد مات أحد الغزاة فى الطريق، وكان مؤمنا صادق الإيمان، قاوم فى سبيل الإسلام قومه حتى نازعوه ثوبه، ذلكم هو عبد الله ذو البجادين، قد مات فتولى دفنه محمد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ووزيراه أبو بكر، وعمر رضى الله عنهما، ولنترك الكلمة لابن إسحاق فهو يقول راويا عن عبد الله ابن مسعود قال: «قمت من جوف الليل، وأنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى غزوة تبوك،