وأحيانا يجيء المؤمن إلى ذى اللحية الطويلة منهم، فيأخذ بلحيته، ويقوده منها قودا عنيفا، حتى يخرجه من المسجد، وأحيانا يأخذ المؤمن بجمة المنافق ذى الجمة «فيسحبه منها سحبا عنيفا» .
وذلك العنف في الفعل يصحبه عنف في القول، ومن مثل «لا تقربن مسجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فإنك نجس، وقول بعضهم غلب عليك الشيطان وأمره» .
وذلك غير الذين كانوا يدفعون من أقفيتهم.
وكانوا هم والذين بقوا على يهوديتهم من يهود أشد الناس أذى للنبى عليه الصلاة والسلام وأصحابه، فالمنافقون كانوا يبثون في المسلمين روح التردد والهزيمة، وفي المسلمين سماعون لهم، كما قال الله سبحانه وتعالي: وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً، وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ، فَثَبَّطَهُمْ، وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ. لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا، وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ، وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ. لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ، وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ، حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ، وَهُمْ كارِهُونَ (التوبة- ٤٦: ٤٨) .
واليهود من وراء المنافقين يتعاونون معهم، ويكيدون معهم، ويمكرون، ويمكر الله سبحانه وتعالى بإفساد تدبيرهم، وكان اليهود يلقون الشك في قلوب المؤمنين يظهرون الإيمان، ثم يعلنون الردة ليشجعوا المسلمين على الردة وليكونوا لهم مثلا لمن يخرج من الإسلام بعد الدخول فيه، وهؤلاء الذين قال الله سبحانه وتعالى فيهم: وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ، وَاكْفُرُوا آخِرَهُ، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ، أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ، أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ، قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ، وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (آل عمران- ٧٢، ٧٣) .
وهكذا كان الإفساد اليهودى، ينافقون، ويدعون الوثنيين إلى النفاق، ويبثون بنفاقهم روح الفرقة بين المسلمين، ويستهزئون ويسخرون من أهل الإيمان، ويجعلون من أنفسهم مثلا لمن يخرج عن الإسلام، كما عبر القرآن الكريم عنهم.
[إفساد اليهود بين المسلمين]
٣٩٥- كانت الحرب بين الأوس والخزرج قائمة بين الفريقين، حتى جمع الله سبحانه وتعالى بينهما بالإسلام، وألف بين قلوبهم، فكانت القوة، ولكن اليهود كانوا يعلمون بأنباء العداوة السابقة، فكانوا يبثون فيهم ما يحيى نار العداوة بعد موتها، ويثيرون نارها بعد إطفائها، وفي كل فريق من يسمع لضعف في إيمانه، أو لبقايا العصبية، أو لترات بقيت بعد الحرب.