للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه وسلم فى أداء الرسالة أتم القيام، وشمر عن ساق العزم، ودعا إلى الله تعالى القريب والبعيد، والأحرار والعبيد، فامن به حينئذ كل لبيب نجيب سعيد، واستمر على مخالفته وعصيانه كل جبار عنيد.

[مراتب الوحى وشكله:]

٢٠٤- نتكلم فى هذا الجزء من البحث عن الوحى الذى كان ينزل على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، والذى ابتدأ بالرؤيا الصادقة وتتابع، وجاء شيئا فشيئا، حتى تم القران الكريم نزولا، فى مدى ثلاث وعشرين سنة كاملة.

لقد جاء النص القرانى بطرق خطاب الله تعالى لأنبيائه، فقال تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ، أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا «١» .

ولا شك أن هذه طرق لحصر خطاب الله تعالى لمن يختارهم من خلقه لخطابه، فمن أى كان الخطاب لمحمد بن عبد الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم؟ ونجيب فى هذا المكان؛ لأننا فى مقام أول نزول الوحى، فلنسر فى مداه إلى نهايته.

يذكر ابن القيم فى كتابه (زاد المعاد) أن للوحى سبع مراتب، فلنعرج على كل واحدة بكلمة موضحة فى إيجاز، وربما نجد المقسم لا يشمل ذلك العدد، لأن بعضها يدخل فى بعضه، فالحدود فى الأقسام غير فاصلة.

[المرتبة الأولى:]

الرؤيا الصادقة: وقد كانت تلك المرتبة قائمة عند النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، حتى إذا كان البعث المحمدى كانت الرؤيا الصادقة هى أول ما نزل به القران الكريم، كما جاء فى سيرة ابن إسحاق، ثم تأكدت الرؤيا بمخاطبة روح القدس جبريل عليه الصلاة والسلام، فكانت مصدقة بالخطاب.

وقد كانت هذه الرؤيا توجب التكليف أحيانا، كما جاء فى قصة خليل الله تعالى إبراهيم عليه السلام فى قصة الفداء، إذ قال تعالى حكاية عن قول إبراهيم: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ.

فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ. فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ، قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى، قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ، سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ. فَلَمَّا أَسْلَما، وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا، إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ. وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ «٢» .


(١) سورة الشورى: ٥١.
(٢) سورة الصافات: ١٠٠- ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>