٦٥٣- ذكرنا حديث كعب بن مالك مع طوله، لأنه حديث النفس التائبة النادمة التى زلت، وحديث الندم بعد الزلل، وكما يقول الصوفية: إن زلة أورثت ذلا خير من طاعة أورثت دلا، لقد ذل لله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، لأنه أحس بالنفس اللوامة تحركه إلى إرضاء الله ورسوله.
وقد مكث خمسين ليلة يذكر الله فى كل ساعاتها، ويحس فى كل آنية منها بوخز ضمير، وما يوقظ ذلك الوخز يرى فى نظرات النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وفى نظرات الناس، وفى الأسواق، وهو يصابر نفسه. ويجيء خطاب من ملك غسان يطلب أن يلتحق، فيراها نكبة أخرى، ويجيء إلى التنور ليسجره فيه، وهكذا، وإن هذه القصة تدل على أمرين:
أولهما: أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم رأى فى هذا الرجل وصاحبيه خيرا لم يره فى غيرهما من الذين اعتذروا ومنهم منافقون، وضعاف الإيمان، أما هذا فقد أبدى صفحته، ولم يرض فى موقفه بالاعتذار، ولا يريد أن يكذب على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فهو موقف طاهر وقلب طاهر، ولكن علق به درن قليل، يمكن أن يزول، ولا يتوب عليه الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم وفيه هذا الدرن، ويريد الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم أن تكون منه توبة نصوح تليق بالمؤمن الصادق فى إيمانه ويقينه، فكانت هذه لتكون منبها يستمر خمسين ليلة، وكأنه اعتكف خمسين ليلة منصرفا فيها إلى الله تعالى، حتى كانت القاطعة التى حملت الثلاثة على الاعتكاف، فاعتكف اثنان، وصار الثالث بين الناس، وكأنه ليس بينهم، فهو الغريب بين أصحابه وأهله، حتى أعلن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قبول توبتهم.
الأمر الثانى: الذى يدل عليه الخبر أن الإنسان خلق ليأتلف مع غيره يتلمس التشجيع النفسى من نظرات، وملامح الوجوه، ومظاهر الأقوال والأفعال والجوارح التى تصدر عن الناس، وإن الاستنكار النفسى يفعل فى نفوس الأخيار ما لا تفعله العقوبات بالنسبة للأشرار، فالذين يستهينون بالاستنكار القلبى فى قوله صلى الله تعالى عليه وسلم «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع، فبلسانه فإن لم