وإن وجد من يتردد فى إدخاله فى زمرة المسلمين، ولو كانوا ضعافا، فإننا لا نتردد فى إخراجه من زمرة المشركين، وإذا كان قد نسب إليه، أنه قال وهو فى سكرات الموت: على ملة عبد المطلب استجابة لأحد الأشياخ من قريش، فإنا لا نحسب أن هذه الكلمة تعارض كل ما كان منه من دفاع عن الإسلام، وتصريحات كثيرة له بأن دعوة محمد عليه الصلاة والسلام صادقة راشدة قالها وهو صحيح معافى. ونختم كلامنا فى هذا بما قاله الحافظ بن كثير فى أبى طالب فقد قال رضى الله عنه:
«أبو طالب كان يصد الناس عن أذية رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وعن أصحابه بكل ما يقدر عليه من فعال ومقال، ونفس ومال، ولكن مع هذا لم يقدر الله تعالى له الإيمان، لما له تعالى فى ذلك من الحكمة العظيمة، والحجة القاطعة البالغة الدامغة التى يجب الإيمان بها والتسليم لها، ولولا ما نهانا الله تعالى عنه من الاستغفار للمشركين، لاستغفرنا لأبى طالب وترحمنا عليه»«١» .
ونحن نقول فيما استنبطنا، إنه ليس بمشرك قط، لأن المشرك من يعبد الأصنام، ويشركها مع الله تعالي، وأفعاله وأقواله، ومواقفه تدل على أنه يرى عبادة الأصنام أمرا باطلا، ولذلك أميل إلى أن أستغفر له، إن كنت من أهل هذا المقام، وأرى أنه ليس بكافر أصلا، والله سبحانه وتعالى هو العليم بذات الصدور، وما تخفى الأنفس.
[خديجة رضي الله عنها]
٢٨٤- كانت خديجة هى الفقيد الثانية التى أدخل موتها الحزن فى قلب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وكان قطعة من نفسها، وهى التى أذهبت عنه الرعب يوم جاءها يرجف فؤاده من أول لقاء بالوحى الإلهى، وهى التى كانت تأسو جراح قلبه، كلما لقى من قومه صدودا وأذى، وهى التى شاركته فى حمل ضرائه، وكانت لها المنزلة الأولى بين نسائه.
ولمكانتها فى نفسه لم يتزوج فى حياتها غيرها قط معها، ولكن تزوج من بعدها، وعدد الأزواج، وكان الحل لمقاصد، ليس منها الشهوة، بل ليؤلف بينه وبين قبائل العرب وليولى أصحابه المحبة، ويدنيهم منه وليؤدى أزواج من يموتون من أصحابه. أو يقتلون، ويتركون أزواجهم من غير عائل يعولهم ليحقق بالعمل قوله عليه الصلاة والسلام:«من ترك مالا فلورثته، ومن ترك ضياعا، فإلى، وعلى» .
وإنها لعظم منزلتها من النبى عليه الصلاة والسلام، وفى الاسلام، بشرت ببيت فى الجنة من قصب.