للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويضاف إلى ذلك هذه المحبة الظاهرة، والشفقة الواضحة التى كانت للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم.

الثالثة- النطق بكلمة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» فقد جاءت رواية بأنه نطق بها، وقالها، وهذه رويت عن العباس، وتطاول بعضهم على مقامه، فقال إنه قالها قبل أن يسلم، وكأن القائل يرمى العباس بالكذب، قبل الإسلام، ومعاذ الله أن يكذب العباس بن عبد المطلب، ولو قبل إسلامه، لأنه من ذؤابة قريش وأشرافهم، والعربى لا يكذب، وانظر إلى ما رواه البخارى عن محادثة هرقل ملك الروم مع أبى سفيان، فقد صدقه القول عن النبى عليه الصلاة والسلام وبينهما عداوة قال: «لولا أنى أخشى أن تحفظ عنى كذبة فى العرب لكذبت» فهل يعد العباس أقل من أبى سفيان شرفا وهمة؟ كلا إنه القرشى الهاشمى، وعم النبى عليه الصلاة والسلام قبل الإسلام وبعده.

٢٨٣- وإننا ننتهى من هذا العرض الذى تحرينا فيه صدق التلخيص أن أبا طالب لم يكن مكذبا للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ولم يكن مقاوما معاندا، فهل كان من المسلمين؟.

ويقول ابن كثير فى هذا: «وهو فى هذا كله يعلم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم صادق راشد، ولكن مع هذا لم يؤمن قلبه، وفرق بين علم القلب وتصديقه» «١» .

وكأنه بهذا يشبهه بعلم اليهود بالنبى صلى الله عليه وسلم إذ كانوا كما قال الله تبارك وتعالى عنهم:

«يعرفونه كما يعرفون أبناءهم» «٢» ولكنهم لم يذعنوا لما يقضى علمهم، فهم يعلمون ولا يذعنون.

وإنى أسمح لنفسى أن أخالف الحافظ بن كثير فى قوله هذا، أو انطباقه على أبى طالب، وأحسبه هو قد وجد فارقا بين معرفته لله تعالى ولدعوة الرسول عليه الصلاة والسلام واليهود، وأقول أن علم أبى طالب قد صحبه ما يدل على التصديق والإذعان، فهو علم مقترن باليقين والإذعان، كما دلت عباراته، وكما دافع عن الإسلام، فإذا كان ثمة نقص بالنسبة لأبى طالب. فهو أنه لم ينطق بموجب التصديق والاذعان، وإنى لذلك أقول أنه لا يمكن أن يكون مشركا قط.

أولا: لأنه استنكر أقوال قريش وأيد دعوة التوحيد.

وثانيا: لأنه دافع عن التوحيد وأهله، وتلقى الأذى كما تلقى المؤمنون الصادقون.

وثالثا: لأنه صرح بأن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم صادق راشد.


(١) البداية والنهاية ج ٣ ص ١٢٦ الكتاب المذكور ص ١٢٧.
(٢) البقرة: ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>