أما بالنسبة لغير من كانوا في الجزيرة العربية، فقد أرسل إلى الملوك والرؤساء الكتب على أيدى رسل من حكماء أصحابه، أرسل إلى هرقل، وإلى عظيم مصر، وإلى كسرى وغيرهم من الملوك. وبعض أمراء البلاد النائية من البلاد العربية.
ولكن لم يجب إلى الإسلام من غير العرب أحد، ومنهم من أساء الرد، ومنهم من أحسن في الإجابة، ولكن لم يجب داعى الله تعالى إلى الإسلام، ومنهم من لم يرد بالقول، ورد بالعمل، وأعلن برده العداء كالمشركين، فكسرى همّ بأن يرسل إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من يقتله، وهرقل قتل واليه على الشام من أسلم من أهل الشام. ولذلك اتجه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الشام، فكانت غزوة مؤتة، ثم غزوة تبوك، ثم وصيته بإنفاذ جيش أسامة بن زيد إلى الشام.
وبهذا نرى أن الباعث لحرب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم هو دفع الأذى، وتمكين الدعوة، ولم يكن ثمة إكراه على الدين، لأن الله تعالى يقول: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ولم يثبت أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أكره أحدا على الدين، بل ثبت أنه أراد بعض الأنصار أن يكره ولده على الإسلام، فنهاه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عن ذلك.
[قبل المعركة:]
٣٥٤- وكانت الفضيلة تتجلى في حرب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عند ما أخذ يرسل الجيوش إلى الجهات النائية، فقد كان عليه الصلاة والسلام يأمر جيشه بالتأنى قبل أن يتقدم للقتال، وكان يدعو المؤمنين إلى ألا يتمنوا القتال، لأنه امتحان القلوب وهدم الأجسام، فكان عليه الصلاة والسلام يقول:«لا تتمنوا لقاء العدو، وإذا لقيتموهم فاصبروا» .
وإذ تعين القتال خيّرهم بين الإسلام، أو أن يعاهدوه، ليأمن الاعتداء من جانبهم، وذلك ما يشبه فى العصر الحاضر ميثاق عدم الاعتداء، أو أن يكون القتال، وأنهم إذا قبلوا العهد أمن جانبهم، وأمن أن تسير الدعوة في طريقها، وأن يخلو له وجه الناس، ويقنعهم بالحق، فمن اهتدى فلنفسه، ومن أساء فعليها.
وإننا إذ نتجه إلى ذلك الوادى المقدس يسترعى انتباهنا دعاء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عند القتال الذى يدل على شعوره صلى الله تعالى عليه وسلم بوحدة الإنسانية ووحدة الخالق، فهو يقول في دعائه عليه الصلاة والسلام «اللهم إنا عبادك وهم عبادك، نواصينا ونواصيهم بيدك، اللهم اهزمهم، وانصرنا عليهم» ، وما كان ذلك الجزء الأخير إلا لأنهم معتدون على الحق، وعلى الحرية الدينية بفتنتهم الناس عن