٦٩١- إننا ذكرنا عددا من الوفود، ولكن لم نحصها عددا، فقد كانت أكثر من ذلك، والنبي صلي الله تعالي عليه وسلم قد مكث في المدينة المنورة يستقبل الناس لتعليمهم الإسلام سواء في ذلك من يجيئون زرافات فى وفود عن غيرهم، ومن يجيئون يريدون معرفة الحقائق الإسلامية، والآحاد الذين يجيئون من قبائل مختلفة أفرادا أو غير أفراد.
مكث صلي الله تعالي عليه وسلم في المدينة المنورة لذلك، ويرسل السرايا داعية إلي الإسلام.
ويلاحظ في هذه أمور ثلاثة:
أولها: أن أكثر هذه الوفود كان من جنوب اليمن وحضر موت، وما يدانيها من نجران والقبائل العربية التى لم تشترك في مناوأة النبي صلي الله تعالي عليه وسلم ممالأة لقريش، أو متحزبين معهم، أو يرون مثل رأيهم فى عبادة الأوثان، أو يرونه، ولكن لا يتشددون، فلم تكن فيهم ممانعه نفسية من اتباع الآباء والأجداد الذين يقولون بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا، أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (البقرة) ولا تقف محاجزة من إمرة أو رياسة تحول بينهم وبين الدخول في الإسلام، وخصوصا بعد أن سن النبي صلي الله تعالى عليه وسلم سنة إبقاء الأمير علي إمارته، إن دخل الإسلام مؤمنا وكان عدلا يرضي أهل إمارته حكمه، ولا يشكون منه شيئا، فإن هذه السنة جعلت الرؤساء والأمراء لا يفرضون في الدعوة المحمدية خصما يناوأ، ويحارب، وذلك لأن الذاتية يكون لها دخل فى تحريك النفوس، ولم يكن أمرهم ككفار قريش فى أول الدعوة المحمدية، إذ فرضوا من أول الأمر أن الاستجابة تذهب بزعامتهم ورياستهم، فكانت الذاتية أو الأثرة محركة لخصومتهم.
ثانيها: أن الوفود كانت تجئ إلي النبي صلي الله تعالى عليه وسلم معلنة إسلامها وطالبة تعليم الفرائض وليشاهدوا النبي صلي الله تعالي عليه وسلم، وليقتبسوا من نور الحضرة النبوية فى مجالسه عليه الصلاة والسلام، وإن ساعة في حضرة رسول الله صلي الله تعالي عليه وسلم تغني عن علم كثير بل إنها هادية ملهمة كما أشار إلي ذلك الإمام أبو حنيفة رضي الله تبارك وتعالي عنه.
إنهم إذ يعلنون إسلامهم ويخبرون عمن وراءهم بأنهم ارتضوا الإسلام دينا ومحمدا صلي الله عليه وسلم رسولا، من غير عوجاء ولا لوجاء، وإن كان فيهم من تلكأ أو تردد. فإن كثرة المسلمين فيهم كافية لأن تجعل هؤلاء المترددين يتبعون ولا يخرجون.