للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النبى بين أصحابه]

٤٥٣- شغلتنا أخبار الغزوات والسرايا عن النواحى الأدبية التى كانت بين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وصحابته والتى كانت تربط القلوب بالمودة الراحمة، فقد كان رؤفا رحيما، يعين المحتاج ويواسى الضعيف، وما كان ليخرج بهم إلى ميادين القتال، إلا وهم يشعرون برحمته، ومودته فكان نبى المرحمة ونبى الملحمة، ولا بد قبل الملحمة من المرحمة، فإن النصر وسيلته الرحمة بالجند والرعية، ورعاية العشير لعشرائه.

رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جابر بن عبد الله قد تأخر عن الرفاق، إذ هم يمضون وهو متخلف عنهم، وكان سبب تخلفه عن الركب أن جمله ضعيف، فسأله مالك؟: قال يا رسول الله أبطأ بى جملى هذا، فقال له محمد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنخه، وقطع جابر عصا من شجرة بأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فأخذها ونخسه بها نخسات ثم قال لجابر:

اركب، فركبه، وقال جابر: والذى بعثك بالحق يواهق ناقته مواهقة، أى يسارعها ولا يبطؤ.

هكذا كانت مراعاة القائد لجنده، يتتبع الضعيف فيقويه، والمتخلف فلا يتركه حتى يسير معه ببركة الله، وما سقنا الخبر لذلك فقط، بل سقناه لهذا، ولأنها بركة بأمر خارق للعادة.

وإن حديث الجمل لا ينتهى بذلك، بل إن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يبتاع الجمل، فيريد أن يهبه له جابر، فيأبى إلا الشراء، ثم يساومه، طلبه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بدرهم فأبي، فزاده إلى درهمين فأبي، فما زال يزيده حتى جعل ثمنه أوقية من ذهب، ولكنه يهبه للرسول، بعد أن ساوم هذه المساومة.

وإذا كان قد تعرف حال صاحبه وهو في السفر، فلا بد أن يؤنسه ويعينه، ويتعرف حاله. فسأله رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قائلا: يا جابر، هل تزوجت؟ قال: نعم يا رسول الله. قال عليه الصلاة والسلام أثيبا أم بكرا، قال: لا بل ثيبا. قال عليه الصلاة والسلام أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك. قال جابر: يا رسول الله إن أبى أصيب يوم أحد، وترك بنات له سبعا، فنكحت امرأة جامعة، تجمع رؤسهن وتقوم عليهن، قال له الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم العطوف الألوف: أصبت إن شاء الله.

ولكن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم لا يكتفى بذلك الود الراحم، بل إنه يقيم الوليمة لزواج صاحبه، فإذا وصل إلى مكان يبعد عن المدينة بنحو ثلاثة أميال اسمه صرار، نحر جزورا، يأكل هو وأهله.

كان ذلك والجمل في يد جابر.

<<  <  ج: ص:  >  >>