وتعدد الروايات لا يمنع صدقها، وهى يتمم بعضها بعضا، ولا اختلاف بينها، وكلها يذكر أنها كانت في ذات الرقاع.
وإذا كانت قد ذكرت في غيرها، فإن ذلك دليل على تكرارها، ولا تنافى بين الروايات.
وقد ذكرنا هذه القصة لأمرين:
أولهما: ما انحدر إليه بعض المشركين من أخلاق تتنافى مع مراعاة الجوار والمروءة، وفيها إرادة الغدر والقتل من غير مواجهة، وكيف استباحوا ذلك بالنسبة للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم كفرا وفسوقا وعنادا.
ثانيها: أن ذلك بلا ريب فيه أمر خارق للعادة، لأن السيف تنقبض عليه اليد في وقت إرادة الضرب ثم يسقط من يده على غير إرادة منه، وقد اعتزم الشر وبيته ودبره، فلما حانت ساعته، خانته يده، وقد كان ذلك من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم في أمور كثيرة، ولكن لم يجعلها دليل نبوته، ولم يتحد بها العرب، بل تحدى بالقرآن وحده، لأنه ما جاء بالخوارق الحسية، كعصا موسى وإبراء الأكمه والأبرص وغير ذلك من الحوادث التى تنقضى بمجرد وقوعها، بل كانت معجزته باقية، لأن رسالته باقية، لا تنقضى بزمانها، وهى القرآن الباقى الخالد الذى يتحدى الناس في كل جيل وفي كل مكان.