للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك نزل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (المائدة- ٩٠) وقد كان التحريم مشددا ذاكرا سبحانه وتعالى حكمته بأنها توقع العداوة والبغضاء، وقد ذكرنا ما كان بين على وعمه حمزة، لولا أنهما من بيت النبوة وكنفها، وأنها تصد عن ذكر الله لأنها تضعف صوت الضمير، وتجعله في غفوة، فلا يدرك الخير، وهى تصد عن الصلاة، وحسبها هذه الأمور شرا.

وهنا نلاحظ أنه كان ذلك الإصلاح الاجتماعى بعد الحرب، لأن المجتمع الفاضل يجب أن يحمى نفسه من العدو والمهاجم المردي، ويحمى نفسه من الماثم الداخلية، فكان جهاد النفس في محاربة الخمر وإجلاء شيطانها بعد محاربة اليهود، وإجلائهم، فاجتمع الجهادان.

[أثر غزو بنى النضير في يهود]

٤٤٩- ذكرنا بنى النضير، وكيف أظهروا ما كمن في نفوسهم من شر، وهموا بقتل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، حتى اضطر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لإجلائهم، لأنه لا يعيش والحيات والأفاعى بجواره، ينقضون العهود والمواثيق، ويريدون فرصة للانقضاض عليه، لينتهزوها.

وإن اليهود في ماضيهم وحاضرهم لا يؤمنون إلا بالقوة، فإن رأوها خضعوا وذلوا، ونافقوا، وربما يكون منهم من تهديه صدمة القوة إلى الحق.

ولم يكن بالمدينة المنورة من اليهود إلا بنو قريظة، فأرعدوا في أنفسهم، وكان منهم من يفكر في الرجوع إلى الذى يعرفونه كما يعرفون أبناءهم.

كان منهم رجل ديان باليهودية، وهو عمر بن سعدى القرظي، فأقبل على أرض بنى النضير بعد جلائهم، فلما طاف بمنازلهم ورأى خرابها، وقد صارت يبابا ليس بها داع ولا مجيب.

فهداه ما رأى عليه حال إخوانه إلى أن ينظر في التوراة، وما فيها من صفة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ومال قلبه لأن يعلن ما كتموه، وأن يظهر ما أخفوه، وقد بدت العبر.

التقى بقومه من بنى قريظة وقال لهم:

رأيت اليوم عبرا، قد عبرنا بها، ورأيت منازل إخواننا خالية بعد ذلك العز والمجد والشرف الفاضل، والعقل البارع، قد تركوا أموالهم، وملكها غيرهم، وخرجوا خروجا ذليلا ... وأوقع ببنى قينقاع، فأجلاهم وهم أهل عدة وسلاح ونجدة، فحصرهم، فلم يخرج إنسان منهم وأسر باقوهم، حتى سباهم، وكلم فيهم، فتركهم على أن أجلاهم من يثرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>