للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الوفود]

٦٥٥- فى العام التاسع جاءت الوفود إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بعد غزوة تبوك، ويقول كتاب السيرة، إنها آخر غزوة غزاها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد عمت الدعوة الإسلامية البلاد العربية وصار العرب بين مجيبين، وكافرين، ومترددين يسيرون فى طريق الإسلام، ولما يدخل الإيمان قلوبهم، وقد جاءت وفود ممن أسلموا، ووفود أخرى تقدم ذكرها وقد قال ابن إسحاق، وإنما كانت العرب تتربص بإسلامها أمر هذا الحى من قريش، كانوا إمام الناس وهداتهم، وأهل البيت والحرم، وصريح ولد إسماعيل بن إبراهيم، وقادة العرب، لا ينكرون ذلك. وكانت قريش هى التى نصبت الحرب لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وخلافه، فلما افتتحت مكة المكرمة، ودانت له قريش، ودوخها الإسلام عرفت العرب أنه لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ولا عداوته، فدخلوا فى دين الله كما قال عز وجل: «أفواجا» يضربون إليه من كل وجه، يقول الله تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ، وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً أى فاحمد الله على ما ظهر من دينك، واستغفره إنه كان توابا.

وقد قال كانت العرب تتلوم بإسلامهم قبل الفتح، فيقولون اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبى صادق، فلما كانت واقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم.

ومؤدى هذا أن فتح مكة المكرمة لم يكن فتحا لمدينة لها قدسيتها فقط، بل كان فتحا لقلوب الناس نحو الإسلام، إذ هم لقريش تبع، ولم يكن الفتح إكراها لقريش على الإسلام، بل إزالة نقمة الزعماء والكبراء، وتبين الحق الصريح الواضح، حتى إن الكبير منهم كان يقدم على الإسلام، لأنه علم أنه العقل وأنه الحق، كما رأينا فى إسلام عكرمة بن أبى جهل ومن كان معه من إخوان له إلى آخر لحظة من مقاومته.

ولكن مع ذلك يجب التمييز بين من دخل فى دين الله، والبلاء بلاء، وحمل عبء المصابرة على الأذى فى مكة المكرمة، والتهكم والاستهزاء، وهم الذين جاهدوا فى سبيل الله، وحملوا السيف، وقاتلوا وقتلوا، وهم الذين اشتروا أنفسهم وباعوها، حتى بلغ الإسلام ما بلغ وفتحت مكة المكرمة أو مهد للفتح بالحديبية، يجب التفرقة بين الذين دخلوا وحملوا العبء مع الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، وبين الذين جاؤا من بعد، ولذا يقول الله تبارك وتعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ، وَقاتَلَ، أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى (الحديد: ١٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>