للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا هو الميدان الأول لجهاد النبى صلي الله تعالى عليه وسلم. أما الميدان الثاني فهو تربية المؤمنين وتعليمهم أحكام الدين، وبيان الشريعة الإسلامية، وتنظيم المجتمع على أساس العدل والفضيلة ومكارم الأخلاق، وهو ميدان الرسالة المحمدية، وهو غايتها ومقصدها، وما كان القتال إلا لحماية الدعوة الإسلامية، وتوصيلها للقلوب والمجتمعات، الآحاد والجماعات.

وإنه في أثناء اللقاآت الحربية كانت المبادئ الإسلامية تسري إلي النفوس وسط صليل السيوف، فكانت تصل إلي القلوب، والمقاتل متأثر بالمقاتل مأخوذ به، وخصوصا إذا رأوا من خوارق العادات، ما لا عهد لهم به، لقد كانت غزوة الأحزاب من قبائل متفرقة، ورأوا عيانا أن الهزيمة لم تكن بسيف ولا بقوة، ولكن بريح عاصف اقتلع أخبيتهم وألقي الفزع والذعر في نفوسهم، وأمامهم رجل يقول إنه رسول من عند الله سبحانه وتعالي، فهلا يفتح ذلك قلوبا مغلقة، وآذانا تستمع إلي صوت الحق، إنهم لا بد أن يعودوا إلي أقوامهم، ويذكروا لهم ما عاينوا أو شاهدوا، وما رأوا بعين البصر، وإن ذلك لا بد أن يصل شئ منه إلي البصيرة.

ولقد كانت غزوة الخندق آخر الغزوات التي غزتها قريش للمدينة المنورة، وقد استيأسوا من بعد ذلك وعلموا أن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم غير مخذول، وأن أحجارهم التى لا تسمع ولا تبصر، ولا تضر ولا تنفع، ولا تغني عنهم، حتي أخذ بعض عقلائهم يدركون ما هم فيه من ضلال، وأنه لا بد لهم من أن يسمعوا صوت العقل والضمير، وقد بدا ذلك في بعض كبرائهم كما أشرنا.

[الحديبية:]

٧٠٨- كانت الحديبية خطوة للدعاية إلى الإسلام من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فقد ذهب إلي مكة المكرمة بجيش عدته نحو خمسمائة وألف أو يزيدون وما ذهب ليقتلع مكة المكرمة، كما كانوا يذهبون إلي المدينة المنورة، بل ذهب ليقيم شعائر الله تعالي، ولتعظيم البيت، وعلى ألا يسألوه خطة فيها تعظيم البيت إلا سلكها.

وقد تم عقد الاتفاق علي مدة عشر سنين، لا يقاتلهم، وعلي أن يعود من عامه هذا، وقد سمي الله تعالى ذلك فتحا مبينا.

وإنه حقا كان فتحا للإسلام، فقد لانت قلوب كانت مستعصية، وتفتحت آذان كان فيها وقر عن سماع الحق، فإذا كانت لم تفتح إلا آجلا، فقد فتحت القلوب نور هذه المدينة، وكان من قريش أنفسهم من يتجه إلي الإسلام ويتعرف غاياته، ومراميه، وأنه الحق والعقل، وملة إبراهيم عليه السلام والقبائل التى كانت ترى أمارات النبوة، ولكن تنتظر قريشا، ورأيها فى محمد صلى الله تعالى عليه وسلم- أخذت

<<  <  ج: ص:  >  >>