٧٠٧- ابتدأ نور الإسلام فى قلوب تقبلت حقيقته، كما تتقبل الأرض الطيبة النقية البذر الصالح، والماء الذي يسقى ويغذي، وكما يتقبل الأحياء ضياء الشمس، فتهتدي بها في الدجنة الحالكة، فتقبله الضعفاء لأنهم وجدوا فيه المعاذ والملجأ والنور والبصر، والهداية إلي الحق في وسط الظلمات المتكاثفة عليهم، والظلم المرهق وتبعوه طائعين، راضين.
وإنه إذا كان الفقر قد أرهقهم فيه ظلم الظالمين، فقد أعطاهم قوة احتمال للعذاب والأذي الذي نزل بهم ممن أظلمت نفوسهم، وختم علي قلوبهم، ولعل الله سبحانه وتعالي يختار المؤمنين الأولين لكل نبي من هؤلاء الفقراء والعبيد، لأنهم هم الذين لقوا الصدمة الأولي فيما نالوا من ألم الفقر في حياتهم يتحملون ألم الأذي، ويكونون نواة الاستجابة، وكذلك كان الحواريون لعيسي عليه السلام، فلم يكونوا من الأقوياء الأشراف، بل كانوا من الصيادين والعشارين، وغيرهم من الضعفاء.
ولقد كان الأقوياء الذين دخلوا في الإسلام ابتداء عددا قليلا، كأبي بكر وعثمان وحمزة بن عبد المطلب ثم عمر بن الخطاب، وأبي عبيدة عامر بن الجراح، وغيرهم في عدد قليل كانوا يداوون ندوب النفوس الفقيرة لتصبر وتصابر، وليكونوا قوة نسبية هادية.
والنبي صلي الله تعالى عليه وسلم يؤذي في نفسه ويتطامن ليكون الهادي الرشيد المرشد، وليكون النذير العريان، كما قال عن نفسه عليه الصلاة والسلام، فلا سيطرة تفرض الدين والرأى، كما قال تعالي:
لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (الغاشية)
حتي إذا اشتد الطغيان ولم يعد في قوس الصبر منزع، وسمع مقالة الله تعالى لنوح: لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ استيأس من إيمان أهله اتجه إلي القبائل في موسم الحج، يعرض عليها دعوة الإسلام، وأن ينصروه وأن يحموا دعوته من قومه، فاستعد لإجابته من استعد ونفر منه من نفر، ولكن قد بلغت دعوته القبائل كلها أو جلها، ما بين منكر جاف، وما بين مؤات مؤتلف راض غير مختلف، والذين اختلفوا كان السبب الأكبر اختلاف قومه عليه، فكانوا ينتظرون ولا يعادون استقلالا، ولكن ربما يعادون تبعا وتقليدا لقريش أقوي قبائل العرب، وأشدها نفوذا وسلطانا.
فما سوغت لغيرهم من الذين يتبعونهم أن يخالفوهم، ولكن الله تعالي هدي أهل يثرب، فامنوا وبايعوه علي النصرة والإيواء، وفتحوا الصدور للضعفاء وآووا ونصروا.