للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المرتبة الرابعة:]

أنه كان روح القدس جبريل يأتيه مخاطبا له مثل صلصلة الجرس، ويقول ابن القبم كان أشده عليه، ويقول فى وصفه ابن القيم: «فيلتبس به الملك، حتى أن جبينه ليتفصد عرقا فى اليوم الشديد البرد، وحتى إن راحلته لتبرك به إلى الأرض، إذا كان راكبها، ولقد جاء الوحى مرة كذلك، وفخذه على فخذ زيد بن ثابت، فثقلت عليه، حتى كادت ترضها» .

وقد روى البخارى عن زيد: أرسل الله على رسوله، وفخذه على فخذى، فثقلت علي، حتى خفت أن ترض فخذى. وقد جاء فى الصحيحين والموطأ عن عائشة أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: كيف يأتيك الوحى، قال: أحيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس، وهو أشدها على، فيفصم عنى وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا، ليكلمنى، فأعى ما يقول.

قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الملك فى اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد عرقا «١»

ولا نريد أن نحاول توضيح هذه المرتبة، فإن تلك مراتب روحية لا نسمو إلى إدراك حقيقتها، ولكن نحاول أن نتصورها فقط، من غير تعرفها كاملا، فلا يعرفها إلا من عالجها، ولم يعالجها إلا المصطفون الأخيار الأبرار.

إن الذى فهمناه من ذكر فى هذه الحال أن روح القدس الطاهر يختلط بالنبى عليه الصلاة والسلام ويمازج روحه وجسده، ويخاطبه بصوت قوى صارخ، فيه عنف كعنف صلصلة الجرس، يسمعه عليه الصلاة والسلام، ولا يسمعه غيره، ويحس فى نفسه، ولا يحس غيره، ويكلمه بكلام مفهوم، وإن كان فى صوت قوى، وكل ما فيه من خطاب قوى، ويكون باختلاطه بروح النبى، وبممازجته جسمه محدثا ثقلا جسميا ضاغطا على ما يكون رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جالسا عليه، وإن الرسول ليعرف ما يقول، ويحفظه ويعيه ولا يجلهه، حتى إن انفصل عنه لا ينفصل إلا وقد وعى كل ما أراد أن يبلغه عن الله تعالت قدرته، وعظمت منته.

وقد روى العسقلانى فى المواهب أحاديث موضحة وشاهدة لهذه المرتبة من الوحى.

ومنها روى الطبرانى عن زيد بن ثابت قال كنت أكتب الوحى لرسول الله صلى تعالى عليه وسلم وكان إذا نزل عليه أخذته برحاء شديدة، وعرق عرقا شديدا مثل الجمان «٢» ، ثم سرى عنه، وكنت أكتب، وهو يملى على، وربما وضع فخذه على فخذى حال الكتابة، فما أفرغ حتى تكاد رجلى تنكسر حتى أقول لا أمشى على رجلى، ولما نزلت عليه سورة المائدة كاد ينكسر عضد ناقته «٣» .


(١) شرح المواهب اللدنية ج ١ ص ٢٩.
(٢) الجمان: صغار اللؤلؤ، والبرحاء الحمى.
(٣) كان الكلام فى نزول اية: «اليوم أكملت لكم دينكم» لا فى سورة المائدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>