أكب عداس بن مالك على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه.
رأى ابنا ربيعة ما كان من الفتى النصرانى. فلم يلن ذلك قلبهما للإسلام، فقال أحدهما لصاحبه:
أما غلامك فقد أفسده عليك.
لما عاد إليهما عداس قالا له: ويلك يا عداس، مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟!
قال: يا سيدى، ما فى الأرض شيء خير من هذا، لقد أخبرنى بأمر لا يعلمه إلا نبى.
قالا له: ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك، فدينك خير من دينه.
كانت العاطفة الكريمة، ومعها ذلك الضلال المبين، وإن كان الحق واضحا، جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم، فكان الطغيان، وكان الكفران وكان الضلال.
[دعاء، وعفو، وإجارة:]
٢٩٠- أحس الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بالجفوة، ومرارة الأذى من هؤلاء اللؤماء، وبما أرادوا له من مهانة، فلم يجد مثابة إلا فى أن يلجأ إلى ربه ضارعا، فقال دعاءه لربه وكان بعد أن غادر ابنى ربيعة، ورأى ما رأي من عداس بن مالك، واطمأن قال:
«اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهوانى على الناس يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربى، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمنى، أم إلى عدو ملكته أمرى، إن لم يكن بك غضب على فلا أبالى، ولكن عافيتك هى أوسع لى، أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والاخرة من أن تنزل بى غضبك، أو يحل على سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك» .
دعاء منبعث من نفس مكلومة ولكنها راضية، لأنها تقوم بأعظم دعوة فى الوجود، فيهون فى سبيلها كل أمر مهما يكن عنيفا، وكل شديدة مهما تكن بالغة، فهو يقبل ما قدره الله تعالى وما يرضاه، ولا يهمه إلا غضب الله تعالى عليه وما دونه يهون.
استجاب الله تعالى لدعائه عليه الصلاة والسلام، وبين له أنه معه، وقد ثبت فى الصحيحين أن أم المؤمنين عائشة حدثت أنها قالت لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ قال: ما لقيت من قومك ... إذ عرضت نفسى على ابن عبد ياليل.. فلم يجبنى إلى ما أردت، فانطلقت، وأنا مهموم، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسى، فإذا أنا بسحابة قد أظلتنى، فنظرت، فإذا فيها جبريل عليه السلام فنادانى، فقال. «إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا به