للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويظهر أنهم مع ما كانوا قد أزمعوه من حرب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فوجئوا، فأذهلتهم المفاجأة، فتفرقوا مذعورين، وتركوا نعما كثيرة لهم من الإبل والغنم.

غنم ذلك كله أبو سلمة، وأسر منهم ثلاثة مماليك، وقفل راجعا إلى المدينة ومعه هذه الغنائم، وقد أخذ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم خمس الغنائم، وكان فيها عبد، وقد وزع خمسه وقسم أبو سلمة خمسه بين أصحابه كما شرع الله تعالى في الغنيمة، فقد قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ، وَلِلرَّسُولِ، وَلِذِي الْقُرْبى، وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (الأنفال- ٤١) .

وإن أبا سلمة رضى الله تعالى عنه قد أخرجه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم في هذه السرية في المحرم من السنة الرابعة أى بعد خمسة وثلاثين شهرا من الهجرة.

ولقد مكث فيها نحو بضع عشرة ليلة ومات بعدها، لجرح أصابه في أحد، ولقد قال ابنه عمرو «كان الذى جرح أبى أبو أسامة الجشمي، فمكث شهرا يداويه فبرأ، فلما برأ بعثه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في المحرم (يعنى من سنة أربع) فغاب بضع عشرة ليلة، فلما دخل المدينة انتقض به جرحه فمات لثلاث بقين من جمادى الأولى» .

وهكذا أدى ذلك الشهيد واجبه مرتين إحداهما في أحد، وقد جرح جرحا قاتلا، وكرمه رسول الله تعالى بأن أرسله في سرية إلى بنى أسد، ثم تحرك الجرح فمات شهيدا، ولكن بين أهله.

ولعل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم اختاره ليرسله إلى بنى أسد، لأنه منهم، إذ هو أبو سلمة بن عبد الأسد أبى طلحة الأسدى. فيرسل عليه السلام الرجل المؤمن على رأس المقاتلين من المؤمنين ليقاتل المشركين من قومه، فتكون الفائدة من ناحيتين، إحداهما- تأديب المشرك لحمله على الإيمان، والثانية التأكيد في محو العصبية الجاهلية، وإحياء الوحدة الإسلامية.

[يوم الرجيع]

٤٤٠- الرجيع مكان على ثمانية أميال من عسفان، وقد قال ابن كثير تابعا للواقدى (غزوة الرجيع) وما ارتضينا ذلك العنوان، إلا لأنه كان الأمر فيه أمر خيانة وغدر من بعض المشركين بتحريض من قريش، لينالوا بعض ما بقى من ثأرهم، وإنه لا يزال كثيرا كما ذكرنا، فأكثر الذين وتروهم من شجعان المسلمين لا يزالون يحملون السيوف، ليخوضوا بها في صفوف المشركين مرة أخرى أو مرات.

وقصة الرجيع كما روتها السيرة وصحاح السنة، هى قصة غدر ولؤم بتحريض من المشركين.

<<  <  ج: ص:  >  >>