٤٢٠- بوأ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لجنده مقاعد للقتال، وقد عنى بأمرين عناية شديدة أولهما بالرماة، فقد شدد عليهم الوصية بألا يبرحوا مكانهم، ومما قاله لهم في ذلك، «احموا لنا ظهورنا إننا نخاف أن يجيئوا من ورائنا، والزموا أماكنكم لا تبرحوا منها، وإن رأيتمونا نقتل فلا تعينونا ولا تدفعوا عنا، وإنما عليكم أن ترشقوا خيلهم بالنبل، فإن الخيل لا تقدم على النبل» .
الأمر الثانى جعل في صفوفه الأولى الأشداء من جند المؤمنين الذين أبلوا بلاء حسنا في غزوة بدر كأسد الله تعالى حمزة بن عبد المطلب، وفارس الإسلام على بن أبى طالب والزبير بن العوام الذين يذكرهم وجودهم بهزيمة بدر فيكون ذلك إرهابا لهم وإيقانا بأن الليلة كالبارحة، ولأنهم يدقون صفوف المشركين دقا، فيفتحون الطريق لمن وراءهم، ويزيلون الرهبة من لقاء أهل الشرك، ولو كثر عددهم، ونهاهم عن أن يقدموا إلا بأمره، ويستأنوا.
وقد أخذ يتفرس الوجوه، ويحرض الأبطال، ويدفع الصناديد إلى البأس، فحمل سيفا ودعا المؤمنين إلى أن يحملوه، ويحموه.
روى الإمام أحمد بسنده أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أخذ سيفا يوم أحد، فقال:
من يأخذ هذا السيف بحقه، فجعلوا ينظرون إليه، فقال: من يأخذه بحقه ... فقال أبو دجانة (سماك) أنا آخذه بحقه. فأخذه ففلق به هام المشركين.
قال ابن إسحق: وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب، وكانت له عصابة حمراء يعلم بها عند الحرب يعتصب بها، فيعلم أنه سيقاتل، فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ثم جعل يتبختر بين الصفين بعد أن اعتصب بعصابته. فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حين رأى أبا دجانة يتبختر: إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن.
كان لواء المشركين مع طلحة بن أبى طلحة، ثم عثمان بن أبى طلحة، وكان حملة اللواء جميعا من بنى عبد الدار. والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم أعطى لواء جيش الإسلام على بن أبى طالب، فلما رأى عليه الصلاة والسلام حامل لواء المشركين من بنى عبد الدار طلحة بن أبى طلحة أخذ اللواء من على كرم الله وجهه في الجنة، وأعطاه مصعب بن عمير من بنى عبد الدار.