استشار أصحابه، فتقدم سلمان الفارسي، وأشار بالخندق، لأن ذلك كان يصنعه الفرس في حروبهم ليحولوا بينهم وبين القوى المهاجمة، وكان في زمن موسى عليه السلام.
اختار الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك الرأي، وهو جديد في العرب، قد تروعهم فكرته، ويفزعهم أمره، فأخذ في تنفيذه.
فجمع المسلمين ليحفروه، حتى إذا جاءت الأحزاب وجدوه حائلا بينهم وبين مأربهم.
[حفر الخندق:]
٤٥٩- كان على أهل المدينة أجمعين أن يشتركوا في حفر الخندق، والنكبة في ذلك الهجوم العام تعم أهل المدينة أجمعين ولا تخص، فإن الشر إذا طم لا يفرق.
ولكن المنافقين يستأذنون في التخلف، ويعتذرون بالضعف، وما كان ضعف الأجسام، فالعذر فيه، إنما كان عذرهم في ضعف الإيمان.
ومنهم من استجابوا للدعوة، ولكنهم عند ما اشتدت الشديدة، أخذوا يتسللون لواذا، لأنهم لا يريدون أن يشتركوا في نصرة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، ولو كان في ذلك إنقاذ للمدينة التى تؤويهم من أن تخرب بيد المشركين، ولقد قال سبحانه وتعالى فيهم:
ومع ذلك تخلفت طائفة من المنافقين ابتداء. وذهبت أخري، ولكنها كانت أشد نكاية من الأولى لأنها كانت تخذل وتوهن قوة العاملين، إذ كانت تتسلل لواذا غير عاملة تثير الإحساس بالشدة.
وليشجعوا من يمكن أن تخور عزائمهم، والأمر صعب شديد.
تقدم المؤمنون الصادقون لحفر الخندق، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم معهم، يحفر ويشتد في الحفر، حتى يستر التراب جلد جسمه صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو لا ينى عن العمل بجد لاغب، ولا يقبل أن يعفيه المؤمنون، ولسان حاله يقول أنه ليس أقل منهم في طلب الجزاء، ولا أضعفهم.