كان حفر الخندق في ذاته عملا شاقا مجهدا، وقد أقبل عليه المؤمنون ببشر وترحاب، وكانوا ينشدون الرجز: والنبى يشاركهم بأن يقول معهم آخر كلمات الرجز الذى ينشدونه وكان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يقول ما يناسبه مما يثير همة المؤمنين بالدعاء لهم. فيروى أنه كان يقول: اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة وذلك تشجيع للعمل، وترنم بما يرجو المؤمنون.
وهم ينشدون:
نحن الذين بايعوا محمدا ... على الإسلام ما بقينا أبدا
وينشدون أيضا:
والله لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الأولى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا
كانوا ينشدون هذه الأشعار، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم لا ينشد الأشعار، ولا ينبغى الشعر له. فما كان يتابعهم في البيت من الأبيات، ولكنه كان يجهر بالقافية معهم مشاركة في الوجدان والإحساس من غير أن يقول ما لا ينبغى له أن يقوله.
وهكذا كان شأنه صلى الله تعالى عليه وسلم في كل ما كانوا ينشدونه يشاركهم في النشيد باخر القوافى.
٤٦٠- ولقد اقترن حفر الخندق بمشقة شديدة إذ ابتدأ في غداة يوم شديد البرودة.
وقد قسم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما يحفر من الخندق بين صحابته من الأنصار والمهاجرين فكان يجعل لكل عشرة من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أربعين ذراعا.
وقد اختلف الصحابة فيمن يكون سلمان الفارسى منهم. لأنه صاحب الفكرة التى هداه الله تعالى إليها. ولقد قال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: سلمان منا آل البيت.
ولقد كان العمل شاقا، ولم يكن القوت كافيا، لأن كثيرين من الصحابة قد انقطعوا عن موارد أرزاقهم، فاجتمع لديهم شدة العمل وقسوته والجوع. ولكن الإيمان كان يخفف كل شدة، والصبر يوجد قوة احتمال، ورعاية الله تعالى فوق كل شدة.