وإن هذا الخبر فى ذاته يدل على قدرة تدبير للأمور، وتعرف لأقرب الطرق للوصول إلى الهدف، ويدل على رفق بمن معه، والابتعاد عن المسابقات غير المثمرة إلا التعب، وعلى كمال الرفق بمن فى صحبته، كما يدل على شجاعة نادرة، وقوة احتمال كاملة.
ولقد كان شجاعا فى أقصى درجات الشجاعة عندما قبل أن يكون الحكم بين قبائل العرب فى وضع الحجر الأسود، فقد تقدم وهو يعلم أن الحاكم لا يرضى كل من يحكمونه، ولكنه بتوفيق الله تعالى أرضاهم جميعا.
وهكذا كان محمد عليه الصلاة والسلام شجاعا قبل البعثة يقول الحق ولا يخشى لومة لائم، ويجاهر به غير مستهين بمن يقاومه، بل راض بأن ينطق بالحق، وحسبه ذلك وكفى.
[بعد البعثة]
١٦٤- بعد أن بعثه الله تعالى بدت شجاعته كاملة، والبعثة من أول أدوارها، وفى أثنائها، وفى نهايتها تحتاج إلى شجاعة، وعندما التقى عليه الصلاة والسلام بورقة بن نوفل ابن عم خديجة، قال له:«ما أتى أحد بمثل ما أتيت به إلا عودى» . ولقاء أعداء الفكرة يحتاج إلى شجاعة وثبات جأش، وقوة احتمال، «والله أعلم حيث يجعل رسالته» فما يختار رسولا خوارا، ولا رسولا ضجرا، ولا رسولا يعتريه اليأس فى أول الصدمة، بل يستمر مصابرا مستعدا للصدمات، واحدة بعد أخري، وأحيانا تجيء متكاثفة غير متفرقة، بل مجتمعة صلبة غير متكسرة، فكان لا يتلقاها إلا شجاع النفس ذو العزمة الصادقة فى هدأة المؤمن المطمئن القلب.
لقد كان أبو جهل يرعد ويبرق، ويعمل فى إيذاء مستمر، عسى أن يجبن محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه عن دعوة الحق المستمرة غير الوانية، بل كلما اشتدت وسائل الإيذاء وتعددت وتجمعت، ازداد عليه الصلاة والسلام عملا، ما هاب وما مل، بل كان يصدع بالحق فى اطمئنان وشجاعة.
ولقد كان من أعدائه ذو البطش الشديد فما هابه ولا خافه، وإن رفق إليه فى القول، فذلك شأنه والواجب عليه، ليقرب من القلوب ولكى لا يكون فظا غليظ القلب، فبنفض الناس من حوله.
وعندما أقبل على المسلمين عمر بن الخطاب وكان جبارا مرهوبا فى دار الأرقم بن أبى الأرقم، وهو لا يزال على الشرك فزع المسلمون إلا رجلين- أحدهما- حمل سيفه ليقتله به إن أراد شرا وهو أسد الله تعالى وسيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ومحمد بن عبد الله رسول الله صلى الله تعالى عليه